للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدلول ما ادعيتموه دليلاً، بطلَ كونُه دليلاً على (١) الحكم، ومعلوم أنَ من تتبعَ آيات الكتابِ العزيزِ وجَدَ كثيراً من ذلك معطلاً عن الحكم، مثل قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣]، وقوله: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: ١٣٠]، {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: ٦]، فهذه النواهي كلُها منعت ما يتناوله النطقُ، ولم ينتفِ الحكمُ بانتفائها، فلا يجوز قتلُ الأولادِ لا لخشية الإملاقِ، ولا أكلُ الربا اليسير ولا أكلُ مال اليتيم لا على وجه الإسرافِ، فبطل الاعتمادُ على دليلِ النطق، إذ لوكان دليلاً على أحكامِ الشرعِ لما وُجِدَ متعطلاً عن مدلوله.

فيقالُ: إنه إنما خرجَ الدليلُ ها هنا عن إيجابِ حكمهِ لما قامَ من الأدلةِ (٢) على تعطيلهِ، فصارَ النهيُ عن إكراهِ الإماءِ على الزنى، والإذنُ لهُن في الزنى، وإهمالُ أمرهنَّ، وتركُ نَهيهنَّ عن الزنى سواء في التحريمِ، لمكان الإجماعِ كالمنطوق. وليسَ إذا خرج دليلُ الخطابِ عن العملِ به، وتعطَّل عن مدلوله بدلائلَ أخرجته عن ذلكَ يُمنعُ من كونه دليلاً مع عدمِ قيام الأدلّةِ على إخراجهِ عن كونه دليلاً، كما أنَّ العمومَ والظاهرَ معمول بهما ما لم تقم دلالة تصرفُ العمومَ إلى الخصوصِ، والظاهرَ إلى غير الظاهرِ، فإذا قامت الدلالةُ خرجَ عمَّا وُضِعَ له، ودلَّ عليه، فكان حكمُه مع الإطلاقِ العملَ به والمصيرَ إليه.

ومنها: قولُهم: لو كان تقييدُه بالصفةِ والشرطِ يقتضى المغايرةَ، وأنَ قوله: "في سائمة الغنمِ زكاةٌ"، بمعنى: وليس في معلوفها زكاة، لما حَسُنَ أن يجمع بينهما أعني: بين ما أوجَبه الدليلُ وبين ما أوجبه النطقُ، كما لم يحسُن الجمعُ بين ما أوجَبهُ النطقُ في


(١) في الأصل: "دليلاً أنه على" ولا تستقيم العبارة بها.
(٢) تحرفت في الأصل إلى: "لا دلالة"

<<  <  ج: ص:  >  >>