للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفحوى وبين ما نبه عليه، وهو أن يقولَ: لا تقل لهما أف، واشتمهما، واضربهما، ولما حسُن ها هنا أن يقول: في سائمة الغنم ومعلوفتها زكاة، وفي سائمةِ البقرِ وعواملِها زكاة، دل على أنَ إثباتَ الزكاةِ في السائمةِ ما اقتضت نفيَها عن العوامِل والمعلوفةِ، ولا المخالفةَ بين حكمِها.

فيقالُ: إنَ دليلَ الخطابِ يدُل على المخالفةِ من طريقِ الظاهرِ لا الصريحِ، كالعمومِ يدلّ على الاستغراق، والأمرُ المطلق يَدُلّ على الندبِ عندهم أو الوجوبِ، على اختلافٍ بينهم من طريق الظاهر ولو قام الدليلُ على تخصيص العموم وكونِ الأمر على خلافِ ما وُضِعَ له واقتضاهُ في الظاهر لَصَح وجاز كذلك ها هنا. على أنه يبطل بتعليقِ الحكمِ على الغايةِ عند من سلَّمَها، فإنَّه يحسُن أن يقولَ: ثم أتمّوا الصيامَ إلى الليل إلى الفجر ثم لم يدل ذلكَ على أنَ الغايةَ إذا أُطلقت لا تقتضي أنَ ما قبلها مخالفٌ لما بعدها.

ومنها: قولهم: إنَ إثباتكم الحكمَ بدليلِ الخطابِ لا يخلو أن يكونَ بالعقل، ولا مجالَ له في هذا؛ لأنه وضع واصطلاح من جهةِ العربِ، والأوضاعُ والاصطلاحيةُ لا مجالَ للعقلِ فيها، كالنقودِ المصطلَحِ على التعاملِ بها، فكذلك الخطابُ بالأقوالِ المصطلحِ على التخاطبِ بها، أو يكونَ إثباتكم له بالنقل، فالنقلُ تواتر وآحاد، ولو كان تواتراً (١) لعلمناه كما علمتم؛ لأنه يوجبُ العلمِ الضروري الذي لا يقعُ فيه الخلافُ ولا يسوغُ، كاصطلاحِ القومِ المنقولِ إلينا من طريقِ التواترِ من سائرِ الصيغِ الموضوعةِ للتخاطبِ استدعاءً للأفعالِ ونهياً عنها، وألفاظِ الذم والمدحِ والخبرِ والنداءِ والتراخي وسائِر موضوعاتهم، ولما (٢) وقَع الخلافُ في هذا؛ عُلمَ أنه ليس بمتواترِ ولا معلومِ.


(١) في الأصل: "تواتر".
(٢) في الأصل: "كما"، والمثبت أنسب لاستقامة المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>