للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولدَكَ خشيةَ إملاقٍ. بأن يقول: بأن قتلته خطأً؟ وإنْ كانت أغنامي معلوفةً؟ وإن قتلتُ ولدي مَلَلاً للأولادِ لا خوفَ الإملاق؟ علمَ أنه ليس التعليقُ للحكمِ على الصفةِ غيرَ موجبٍ نفيَه عما ليس فيه تلك الصفة، فإنَّ الموضوعاتِ لا يحسُن فيها الاستفهامُ، ألا ترى أن الفحوى لا يحسنُ فيه ذلك لما كان موضوعاً، فلو قيل له: لا تَقُلْ لأبيكَ أف. فقال: أفأضربه وأشْتمه؟ أو قِيلَ له: لا تاخذ من مالِ فلان ذَرَّةً.

فقال: فهل آخذُ مالَه كُلَّه؟ لم يُعدَّ (١) هذا مُستفهِماً بلغة العرب ولا عارفاً بها، فيقال له: حسن الاستفهام إنما لكونه طلباً للأوضحِ والأجلى، حتى إنهم ما استقبحوا استفهامَ من قال: دخلَ السلطانُ البلد، هل دخل بنفسِه أم عسكره؟ واستفهامَ من قال: رأيتُ السَبُعَ في هذا الطريقِ، أرأيتَ الأسدَ نفسَه أم أثَره؟ كلُّ ذلك لدخولِ المجاز والاستعارةِ، وإن كانَ الأصلُ الحقيقةَ، وها هنا قد يدخلُ التقييدُ بأحدِ وصفيِ الشيءِ ليدلَّ على المخالفةِ، ويجوزُ أن يكونَ قد خصَّ أحدَ وصفيهِ بالحكمِ للشرفِ والفضيلةِ لحُسنِ الاستفهامِ ليزولَ هذا الاحتمالُ ويخالفَ نفسَ النطق الذي هو قوله: "في سائمةِ الغنمِ زكاةٌ" (٢)، إذ لا تردَّد ولا احتمالَ فيه.

ولسنا نقولُ: إنَ دليلَ الخطاب في رتبةِ النصوصِ والأوضاعِ الجليّة. وليس رتبةُ دليلِ الخطابِ بأدنى من معنى الخطابِ؛ لأنَّ جمهور العلماء يسقطونه بمعنى الخطاب إلا ما شذَّ من المذاهب.

ثم معنى الخطابِ يحسُنُ معه الاستفهامُ، فماذا قال: لا تشرب الخمر؛ لأنه يوقع العداوةَ والبغضاءَ، ولا تَبع الحنطةَ بالحنطة متفاضلاً؛ فإنه طعامٌ. حَسُنَ أن يقولَ: فهل أشربُ النبيذَ؟ وأبيعُ الأرزَّ بالأرز متفاضلاً؟ اولا ينكر أحد استفهامه ذلك، ولا يدلّ ذلكَ على أنَّ المعنى ليس بمعَوَّل عليه ولا يحتجُ به.


(١) مكررة في الأصل.
(٢) تقدم في الجزء الأول، الصفحة: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>