للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أنه لو كان تعليقُ الحكمِ على ذي صفةٍ يَدُلُّ على نَفي الحكمِ عن غير الموصوفِ بها؛ لوجبَ أن يكونَ الخبرُ عنه يدُلُّ على نفي الخبرِ عن غير الموصوفِ بها، حتى لو قال القائل: قامَ السودُ، أو: رَعَت السائمةُ في العُشبِ، ودخل زيدٌ العالمُ، يُوجب نفي القيام عن البيضِ ونفي الرعيِ عن العواملِ، وعدمَ دخولِ غيرِ العالمِ من الأزيادِ، وكذلك الإشارةُ إلى شخص بحكم من الأحكامِ كان يجبُ أن تقتضيىَ الإشارةُ إليه نفيَ الحكمِ عن كل شخصٍ لم تقع الإشارةُ إليه بذلك الحكمِ.

ألا ترى أنَّ الاستثناءَ والتخصيصَ لما تعلَّق عليه الحكمُ في الأمرِ والنهيِ تعلق عليه في الخبرِ، فلا فرق بين قولِ القائلِ: اقتل (١) المشركين، ولا تقتل أهلَ الكتاب.

وبين قوله: قتَلَ المشركين ولم يقتل أهلَ الكتاب. ولابين قوله: ادفع إلى زيدٍ عَشرة إلا درهمين. وبين قولي: دفعت إلى زيد عشرة إلا درهمين.

فيقال: كذلكَ نقول في الخبرِ، وفي الاسمِ العلمِ كالاستثناءِ والتخصيصِ سواء، فهذا هو المذهبُ، وكذلكَ إذا أشار إلى الحكمِ إما تزكيةً وإما تضحيةً إلى ماشيةٍ بعينها أو حيوانٍ بعينه دلَّ على نفي التزكية والتضحية عن غيره.

على أنَّا لو وسعنا الكلامَ بالتسليم، لكان التمييز (٢) واضحاً بين الخبرِ عنه وتعليق الحكمِ عليه، وذلكَ أن المخبِرَ ليس من شرطِ إخبارِه أن يكونَ محيطاً بعلمِ من قام ومن لم يقم، ومن زكَّا، ومَن لم يُزك، ومن دخلَ الدارَ، ومن لم يدخل، بل يجوزُ أن يكونَ عالماً بما أخبرَ به فقط، فكذلكَ إذا قال: زَيدٌ قام. لم يُحكم عليه بأنه يتضمّن كلامُه أن عَمْراً لم يقم. و: دخلَ العالمُ. أن الجاهلَ لم يدخل، فأمَّا إذا قالَ: اشترِ لي خبزاً سَميذاً، أو لحما طرياً، ورُطَباُ جنياً وهو يعلمُ أن الخُشْكارَ من الخبزِ، والبائتَ من اللحم والرطب يُباعُ ويُبتاعُ، علمنا أنه تنكَّبَ ذكرَ ذلكَ على بصيرة لكراهتِه له، فصارَ النفيُ


(١) في الأصل: "اقتلوا".
(٢) في الأصل: "الخبر" ولعل المثبت أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>