للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجري مجرى المنطوق، ولم يكن مستنبطاً.

ومنها: أن قالوا: لو كان تعليقُه على صفةٍ تدلُّ على نفيه عما لم تثبت فيه تلك الصفةُ، لما وضعت له عبارةٌ تخصه، فلما حَسُنَ أن يقول: في السائمة زكاة، وليس في المعلوفة زكاة. دل على أن العبارةَ التي تَخصه هي المقيّدةُ دونَ المنطوقِ.

فيقال (١): ولِمَ إذا كان له وضع من جهةِ الصريحِ لا يكونُ له وضع دون الصراحةِ والنص، ونحن نعلمُ أنه قد وضعَ للنهي عن الضربِ والشتمِ عبارةٌ تخصه، ولم يُمْنَع ذلك بثبوتِ فحوى الخطاب، بل في الآية نفسها. {وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الاسراء: ٢٣] وقد دخل في النهي عن التأفيفِ، ثم صُرحَ به مقيداً ما أفاده النهي، قال سبحانه: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣]، والانتهارُ مستفاد من طريق الأوْلَى بالنهي عن التأفيفِ لو لم ينه عنه بلفظ يَخُصّه، ثم إنه نَهى عنه بلفظٍ يخصّه، فقال: {وَلَا تَنْهَرْهُمَا}، كذلكَ ها هنا لا يمتنع أن يكونَ مثلَه.

ومنها: أن قالوا: الصفاتُ وُضِعت للتمييز بين الأنواعِ، كما وُضعَت الأسماءُ للتمييزِ بين الأجناسِ والأشخاصِ، ثم تعليقُ الحكم على الاسمِ لا يقتضى نفيَه عمَّا عداه، وكذلك تعليقُه على الصفةِ.

فيقال: إنَا لا نُسلم الأسماءَ، بل حُكمُها وحكمُ الصفاتِ سواء، وهو مذهبُنا ومذهب أبي بكر الدقاق (٢) -من أصحابِ الشافعي-.

وإن سلَّمنا توسعةَ النظر فالفرق بينهما من وجوه:

أحدُها: هو أنَ الجمعَ بين الأجناسِ المختلفةِ في الحكمِ الواحدِ دأبُ العربِ، فيقولُ القائلُ منهم: اشترِ لي لحماً وتمراً وخبزاً، ولا يراها تقيِّد الاسمَ بصفةٍ، والموصوفُ


(١) في الأصل: "قال".
(٢) تقدمت ترجمته في الجزء الأول الصفحة: ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>