للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثلاثُ (١)، فبطلَ دليلُ الخطابِ، وعملتم بالنطقِ فيهما، حيث بطلتم النكاحَ بغيرِ إذنِ الولي، ولم تُحرَّموا بالرضعةِ والرضعتين.

فيقالُ: إنما نأخذ بدليلِ الخطابِ مع عدمِ النصّ، وإسقاط حكمِ الدليل الأضعف بوجودِ الأقوى لا لخروجِ الأضعفِ عن الاستدلالِ به مع عدم الأقوى، وهذا حكمُ تراتيبِ الأدلةِ، وذلك كالعمل بالقياس مع عدمِ السنةِ، واطّراحه مع وجودها، بخلاف ما يوجبُه القياسُ. وفي مسألتنا لولا حديثُ عائشةَ رضي الله عنها في الخمسِ رضعات (٢)، لحرمنا بالثلاثِ، ولنا في الثلاثِ رواية أنها تحرَّم، فلا يبطلُ الدليلُ رأساً، كما لم يبطل النطق، لكننا تكلمنا على الأسَد، ولنا رواية في تزويجِ المرأةِ نفسها (٣)، على أنَ أكثر ما في هذا انقطاع النطقِ عن الدليل، والدليلِ عن النطقِ.

ومنها: أن قالوا: ليس في كلامِ العربِ كلمة تدلّ على شيئين متضادين، وعندكم أن هذا اللفظَ يَدُلُّ على إثبات الحكمِ ونفيه، وهذا خلاف اللغة.


(١) انظر "المغني" ١١/ ٣٠٩ - ٣١٢ و" المبدع " ٨/ ١٦٦ وقد ورد عن الإمام أحمد ثلاثُ روايات في عدد الرضعات المحرمات:
الرواية الأولى: أنَ الذي يتعلق به التحريم خمسُ رضعات فصاعداً، وهذا الرأي هو المعتمد في المذهب.
الرواية الثانية: أنَ قليلَ الرَضاعةِ وكثيره يُحرم.
الرواية الثالثة: لا يثبتُ التحريمُ إلا بثلاثِ رضعات.
(٢) حديث عائشة: قالت:"نزل القرآن بعشرِ رضَعات معلوماتِ يحرِمن، ثمَ نُسِخن بخمسِ رَضعات معلوماتِ، فتوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهنَ فيما يقرأ من القرآن". أخرجه الدارمي ٢/ ١٥٧، ومسلم (١٤٥٢)، وأبوداود (٢٥٦٢)، والترمذي ٣/ ٤٤٦، والنسائي ٦/ ١٠٠، وابن حبان (٤٢٢١) و (٤٢٢٢)، والبيهقي ٧/ ٤٥٤.
وقول عائشة:"فتوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن"، أردت به قرب عهد النسخِ من وفاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانظر ما تقدم في الجز الأول، الصفحة: ٢٤٧.
(٣) وهي روايةٌ مرجوحة غير معتمدة في المذهب. انظر "المغني" ٩/ ٣٤٥ - ٣٤٦، و"المبدع شرح المقنع" ٧/ ٢٨ - ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>