الذي حصَلَ السؤالُ فيه، ولا قصرَه على المكانِ، ولا خصَّهُ بالواحدِ إذا كان جوابُ الشارعِ تضمَّنَ الخطاب لعشرةٍ، على أنَّه لو كانَ المصلحةُ ذلكَ لما جاز للشارعِ أن يتنكَبَ الخاصَّ من القول، ويعدِلَ إلى العامِّ.
ومنها: أنْ قالوا: لو كانَ الجوابُ عن سؤال (هل) ب (نعم) أو (لا)، أو عن (ليس) ب (بلى) كان مقصوراً على السؤال، فلما قال الباري سبحانه:{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ}[الأعراف: ٤٤] وقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}[الأعراف: ١٧٢] كان تقديره: نعم، وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، بلى أنتَ ربنا.
فيقال: إنَّما يكونُ ذلكَ في الجوابِ الناقصِ، وكلامُنا في الجوابِ التَّام العام الصالحِ للابتداءِ وإلاستقبالِ، ولسنا نُنكرُ تعلُّقَ الجوابِ بالسؤالِ إذا لم يكن مستقلاً، وقوله: نعمْ. لا يستقلُّ، وبلى أيضاً لا يستقِل، ولهذا لو ابتدأ به لم يُعقل منه معنى حتى يُسألَ عمَّا كان من السؤالِ. وها هنا الكلامُ مُستقِلٌ، ولهذا لم يقصَر عليه.
ومنها: أن قالوا: قد اتفقَ أصحابُكم وأصحابُ مالك على أنَّ الأيْمانَ محمولةٌ على مخارجِها، مقصورةٌ على ما هيَّجها وأثارها، فاذا قال: واللهِ لا فَعلتُ كذا، ولا قَبلتُ منك كذا. وكان (١) المهيِّجُ ليمينه والسببُ فيها: المنَّةَ، لم يُحملْ إلا على ما يزيل المنَّةَ، وامتنع من القبول لأجلها، واليمينُ حكمٌ شرعيٌ بُنيَ على لفظٍ وترتَبَ عليه، كذلكَ يجبُ أن يقصر جوابُ صاحبِ الشريعةِ على السببِ الذي أثارَه، ومتى لم يكن كذا كان مناقضةً في المذهبِ، إذ لا فرق بينهما.
فيقالُ: إنَّ الأيمانَ حجةٌ لنا من وجهٍ؛ وهو أنَّه إذا حلف: لا لبسَ من غزلِ زوجتهِ، وكانَ السببُ في يمينِه منَتها عليه، واستزادتَها له على ما يجبُ لها؛ لأجل ما ذكرَته من غزلها، فإنَّنا لا نَقصر ذلك على الغزل، حتى إنه لا يقف حِنثُه على لُبسِه من غزلها، بل يحنثُ بقبولِ كل شيءٍ من جهتها؛ من مالٍ وعملٍ تحصل بمثله المنَّةُ،