للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكون مُعطلاً للبيان عما سألوه عنه مع حاجتهم إليه، وذلكَ لا يجوزُ، فكما لا يجوز تركُ ما سألوا عنه ابتداءً، والإتيانُ بحكمٍ آخرَ غيرِ ما سألوا عنه، كذلكَ لا يحسُن أن يأتَي بلفظِ عمومٍ ثم يخصُه على غيرِ ما سألوه عنه، فلذلكَ افترقَ الحالُ بينَ العمومِ المبتدأ، والعمومِ الخارجِ على سبيلِ الجوابِ عن حكمٍ خاص (١)، وأنَّ العمومَ المبتدأ لا يجبُ فيه قضاءُ حق آخرَ، وهذا يجبُ فيه أن يُراعى مراعاةَ حكمِ الجوابِ وإعطاء العمومِ الزائدِ عليه حقَّه. ألا ترى أنَّ الناس يعدُّون (٢) ذلك عبثاً شائعاً، فيقول قائلهم: سألته عن أبيه، فقال: خالي شُعيبٌ، إذ كان توريةً عن الجوابِ، ولو قال: أبي زيدٌ، وخالي شعيب، لم يستنكرْ أن يجيبَه عمَّا سأل، ويفيده تعريفَ خالِه بعد تعريفِ أبيه المسؤولِ عنه.

على أنَّ الإجماعَ يغني عن الاعتذارِ، ففيه الكفايةُ، ولا خلافَ بين الأمَّةِ أنَّ ما خرجَ السؤالُ عليه لا يجوز تخصيصُه، ودليل الإجماعِ: ما (٣) ذكرناه، والله أعلم.

ومما يصلح أن يكَونَ دلالةَ الإجماعِ: أنَّ الخطابَ الخارجَ ابتداء لكلِّ مكلَّفٍ، فالسائلُ من جملةِ المكلَّفين، وله خصيصةُ استحقاقِ الجوابِ عما سألَ عنه؛ لكونه محتاجاً إلى العلم بذلك، فإنَّ (٤) رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوزُ له تركُ ما يجبُ من البيانِ، والعدولُ إلى بيانِ حكمٍ لم تقع الحاجةُ إليه، ولو تسلَّطَ عليه الإخراجُ عن عمومِ اللفظِ وتناوله له كانَ نسخاً، فأمَّا تخصيصاً فلا.

ومن أعظمِ الفوائِدِ: أنَّه لو لم يردِ السببُ والسؤالُ اللذان خَرجَ اللفظُ عليهما، بل نقل مجرَّدُ اللفظِ؛ لكانَ لأهلِ الاجتهادِ إخراجُ ذلكَ بدليلٍ، فلماَّ خرجَ مخرجَ السؤال؛ امتنعَ ذلك؛ لأنَّه صارَ جوابه نصَّاً ومن أخرجَ السببَ عن حكمِ اللفظِ كان


(١) في الأصل: "الخاص".
(٢) في الأصل: "يعيبون".
(٣) في الأصل: "بما"، والمثبت أنسب للسياق.
(٤) تحرفت في الأصل إلى: "قال".

<<  <  ج: ص:  >  >>