للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نسخاً، فقد تخصَّصَ السببُ بهذه الخصيصةِ، وتخصُصُه يمنعُ من كونِ اللفظِ الذي حصل جواباً عاماً، إذ لو كان له حكمُ العموم لما اختص بعضُه بحكمٍ يخرج به عن جميعِ ما شمِلَه، وما هذا مما يوجبُ قصورَ الجوابِ عليه، كالسائلِ نفسه، والوقت، والمكان، فإنَّ الحكمَ لا بُدَّ أن يتناولَ الشخص السائلَ، ثم إنَّه لا يجوزُ إخراجُه عنه، ولم يدلَّ ذلكَ على قصورِه عليه، فبطلَ أن يكونَ كلُّ ما وجبَ دخولُه وجبَ الاقتصارُ عليه.

ومنها: أن قالوا: لو لم يكن قصرُ العام على السببِ والسؤالِ الخاصَّين واجباً، لما وجبَ تأخيرُ الحكمِ إلى حينِ حدوثِ السببِ، ولَماَ كان لتأخيرِ الحكمِ معنى، فلما وجَبَ تأخيرُ الحكمِ إلى حينِ حدوثِ السبب؛ عُلِمَ أنَّه مقصورٌ عليه.

فيقال: ولم قلتم: إنَّه لم يؤخره إلا لأجلِ قصورِه عليه؟ فلا سبيلَ إلى جوابهم عن ذلك.

على أنَّ من مذهبنا: أنَّ اللهَ سبحانَه لا يؤخِّرُ تعبداً، ولا يقدمه لعلةٍ من العللِ على ما قرَّره أئمتنا في أصولِ الدياناتِ (١)، مما لا يليقُ هذا الكتاب بذكرِه.

على أنكم ما تنكرونَ أن تكونَ الفائدةُ في ذلكَ سبقَ العلمِ بأن التعبُّدَ عند تجددِ السؤالِ، وحدوثِ السّببِ الخاصِّ هو الأصلحُ في التكليفِ، وأنَّه لو قدم التعبّد عليهما، [أو] (٢) أورده بعد ورودهِما، أو أورده ابتداءً، لم تقع الطاعةُ من أحدٍ من المكلفين، ولكانَ ذلكَ تنفيراً (٣) وفساداً، وقد أشار اللهُ سبحانَه إلى ذلك فقال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان: ٣٢] قال الله سبحانه:


(١) فعند الجمهور لا يجب على الله سبحانه وتعالى رعاية المصالح وإنما يدرك العقل ذلك منه على سبيل الجواز. انظر تفحيل المسألة في "المسودة": ٦٣، و"شرح مختصر الروضة" للطوفي ١/ ٤٠٩، و"الإحكام" لابن حزم ٢/ ١١٢٦.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) في الأصل: "تفسيراً"، ولعل المثبت أنسب لاستقامة معنى العبارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>