للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (٣٢) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (٣٣)} [الفرقان: ٣٢ - ٣٣] ومثل هذا لا ينكرُ أحد اتفاقَ مثلِه في المعلومِ، وإذا كانَ كذلكَ سقطَ ما قالوه من قصرِ الفائدةِ التي طلبوها على العلّةِ التي ذكروها.

فإن قيلَ: الباري قد عَلمَ أنَّهم سيَسألون، فلمَ لم يقدِّم الحكم فيغنيهم عن السؤال، فيكون أبلغَ؟! لأنَّ الإغناءَ بالعطاءِ قبل السؤال افضلُ من العطاءِ بعدَ السؤالِ في بابِ المالِ، كذلكَ في بابِ العلم.

قيلَ: إنَّ أفعال الحكيمِ تارةً ابتداءً ومناداةً ليغنيَ عن السؤالِ، وتارةً جواباَ ليبين محلَّ الجوابِ، والعطاءُ بتقدُّمِ الحاجةِ، وفي ذوقِ العَدَمِ والحاجةِ ما ليسَ للإغناءِ قبلَ الحاجةِ، ولا يعرفُ محلُّ الإرشادِ إلا بعدَ الضلالِ، ولا محلُّ شيء يوجدُ إلا بعد قَصدِهِ، فهو كإجابةِ دعوةٍ لشخصٍ، ثم تَعمُّ (١) إجابتُها مثل: أن سألَ سلامةَ زرعِه مِن الجفافِ، فأغاثَ اللهُ بمطرٍ عام، أو سألَ عافيةَ ولدِه من طاعونٍ، فأزال الله الطاعونَ عن ولده رأساً، فإنه لمَّا (٢) عمَّ السمعَ (٣) ودفعَ الضررَ لم يكن خاصَّاً له، وما خرجَ من ميزةِ التخصصِ بأن كان سبباً للإجابةِ.

ويقالُ لهم أيضاً: ما أنتم في هذه الدعوى إلا بمثابةِ من قال: إنَه ما (٤) اخرَ الحكمَ في جلدِ الزاني ورَجْمِه، وقطعِ السارقِ، وحكمِ اللعانِ، والظهارِ إلى حين وقوع تلكَ الأفعالِ والأقوالِ من أقوامٍ وأشخاصٍ معيَّنين في تلكَ الأوقات المخصوصةِ إلا لتعلقِه بتلكَ الأفعال من أولئكَ الأشخاصِ في تلك الأوقاتِ، وإلا فقد كانَ يمكنُ الابتداءُ بإنزالها من قبلِ حدوثِ تلكَ الأسبابِ، ولمّاَ لم يدل ذلكَ على تخصُّصِ


(١) في الأصل: "تقع" والمثبت أنسب لسياق العبارة.
(٢) في الأصل: "لم" ولا يستقيم بها السياق.
(٣) هكذا في الأصل، ولعل كلمة "السلامة" أنسب لاستقامة المعنى.
(٤) في الأصل: "لما" ولا تستقيم بها العبارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>