للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضربُ الرابع: إذا كانَ الجنسُ واحداً، والسببُ مختلفاً، كالرقبةِ قُيَّدت في كفارةِ القتلِ بالإيمانِ، وأطلقت في كفارةِ الظِّهارِ، وهما سببانِ مختلفان وكما قيِّدت الأيدي إلى المرافقِ في طهارةِ الماءِ، وأُطلقت في التيمم بالترابِ، ففي هذا روايتان (١): إحداهما: يُبنى المطلقُ على المقيدِ من طريقِ اللغةِ (٢)، وبهذه الرواية قال أصحاب مالك (٣)، وتَعلَّق من نصر هذا بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢]، وقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢]، فقضينا بالتقييدِ بالعدالةِ على المطلق من الشهادة، وفيه رواية أخرى: لا يُبتَنى المطلقُ في هذا على المقيَّد، ويحمل المطلَقُ على إطلاقِه، وهي اختيارُ أبي إسحاقَ بن شاقْلا (٤)، وهو قولُ أصحابِ أبي حنيفة (٥)، واختلف أصحاب الشافعي (٦)؛ فمنهم من قال كقولنا وأنه يُبنى المطلق على


(١) أي روايتان عن الإمام أحمد رضي الله عنه، ولقد أشار إليهما القاضي أبويعلى في،"العدة" ٢/ ٦٣٨، مبيَّناً كيفية استفادتهما من قول الإمام أحمد.
(٢) انظر "العدة" ٢/ ٦٣٨، و"المسودة": ١٤٥.
(٣) لم يقل بحمل المطلق على المقيد في هذا الضرب، إلاّ قليل من المالكية، وفق ما نقل القرافي عن القاضي عبد الوهاب. انظر "شرح تنقيح الفصول": ٢٦٧.
(٤) هو إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقْلا، أبوإسحاق البغدادي البزاز، شيخ الحنابلة في وقته، كان رأساً في الأصول والفروع، توفي سنة (٣٦٩ هـ). انظر"سير أعلام النبلاء" ١٦/ ٢٩٢، و"تاريخ بغداد" ٦/ ١٧، و"طبقات الحنابلة" ٢/ ١٢٨.
(٥) انظر "أصول السرخسي" ١/ ٢٦٧، و "شرح التلويح على التوضيح" ١/ ٦٣، و"فواتح الرحموت"١/ ٣٦٢.
(٦) محل الاختلاف بين الشافعية، هو في موجِب حمل المطلق على المقيد في حال اتحاد الحكم
وأخْلاف السبب:
فالبعض قال: إن المطلق يحمل على المقيد بموجِب اللفظ، ومقتضى اللغة، من غير حاجة إلى دليل.
والأكثرون قالوا: إنَه لا يحمل المطلق على المقيد بنفس اللفظ، بل لابد من دليل؛ من قياس أو غيره، وإلى هذا القولِ ذهب أكثر الشافعية منهم: القفال الشاشي، وأبو إسحاق الشيرازي،=

<<  <  ج: ص:  >  >>