للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوائلِ السورِ، لا (١) نعلمُ معناها بل تسمعُ سماعاً، ونؤمنُ بأنها منزَّلةٌ من اللهِ سبحانه، وذلك قدرُ تكليفِنا فيها، فنؤمنُ بالتلاوةِ، ونكلُ المعنى إلى المتكلِّم بها.

وأمَّا قولُكم: إنَّ ما لا يُعْلَمُ كما لم يُنْزَلْ، فليس (٢) بصحيح، لأن ما لم يُنْزَلْ إلينا لا تكليفَ فيه يَحصُلُ به الثوابُ، وفي هذا تكليفٌ هو الإيمانُ به والتسليمُ للهِ في إنزالِه، وردُّ المتشابِه المتردِّدِ إلى المُحكَمِ المنصوصِ الذي لا احتمالَ فيه ولا تَرَدُّدَ، وهذا نوعُ تكليفٍ بخلافِ ما لم يُنْزَلْ، لكن وِزانُه ممَّا لم ينزلْ، ما أخبرنا بكونه عنده في كتاب مسطورٍ بجميع ما قدَّره في خلقِه وقضاهُ عليهم، فإنَّ لنا فيه نوعَ تكليفٍ، وهو التصديقُ بسبقِ المقاديرِ، وتسطيرِ الاَجال والأرزاقِ، فذاك أمرٌ لم يُنْزَلْ، وقد كَلَّفنا الإيمانَ بهِ حيث أعْلمنا به.

وجميعُ ما أَحْبرنا به من البيان بلسانِ الرُّسلِ، فإنَّما أرادَ به ما كلَّفناه من الأحكام، وكما أنَّه بين الأحكامَ باللسانِ لتُتَّبَعَ ويُعملَ بها، بيَّن ما يجبُ الإيمانُ به جملة من غيرِ تفسيرٍ ولا تفصيلٍ، لنؤمِنَ بها ونسلمَها.

وقولُكم: إنَّ القائلينَ بمشاركةِ العلماءِ في العلمِ به (٣) وبتأويله أقربُ، لأنَّ العلماءَ يبيِّنون لغير العلماء، فلا يبقى في الكلامِ خفاءٌ، ولا جهلٌ بمعنى، فالمقالتان جميعاً مُفيدَتان، لأنَّ المُتأوِّلَ يثابُ على استخراجِ التأويلِ على وجهٍ يوافقُ الحكمَ، والمسَلِّمَ بإيمانِه للمعنى لله سبحانه المستأثرِ بعلمِه مثابٌ على ردِّ المتشابِه إلى من صدرَ عنه


(١) في الأصل: "ولا".
(٢) في الأصل: "ليس".
(٣) في الأصل: "أنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>