للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة: ١٦٤]، وعدَّدَ أمثالَ ذلك من اَياتِه، ثم قالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}

[النحل: ١٢]، و {يَعْلَمُونَ} (١)، و {يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: ٣]، فكانَ ما أحكمَ وأتقنَ من أفعالِه، موجِباً لردِّ ما اشتبهَ منها إلى ما ثبتَ من حكمتِه سبحانَه بإتقانِ صنائِعه، فإنهُ يَبتلي، ويمتحنُ بمثلِ خُوارِ العجلِ، وكلامِ الشيطانِ في بطنِ الصنمِ، وإظهارِ الأمورِ الجاريةِ على يدي الدجالِ، وإلقاءِ السحرِ والكهانةِ؛ بتمكينِ هؤلاءِ بما يلقيهِ إليهم الشيطانُ، ويمكِّنُ السحرةَ من الإيهامِ بالسحرِ الذي ألقاهُ إليهم هاروتُ وماروتُ، فهذا المشتبهُ من الأمورِ، أوجبَ تنكُّبَه، وإسقاط حكمِه: ما ظهرَ من الإعجازِ الذي كان حقيقةً لا تَخييلاً، فكانَ ما ظهرَ من السحرِ والكهانةِ كالشبهاتِ المُخيِّلةِ، وما ظهرَ من المعجزاتِ حُجَجاً محقَّقةً، قال سبحانه: {أَلمْ يَرَوْا أنَّه لا يُكَلِّمُهم} [الأعراف: ١٤٨]، وقال في عيسى حيثُ ادّعوه ودعوهُ إلها: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: ٧٥] وهذا إشارة إلى حصولِ قِوامِه بغيرِه، وحاجتِه في البقاءِ إلى قوامٍ، والإله من قامتْ الأشياءُ بقدرتِه.

وقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الأسودِ العَنْسي (٢) لما قيلَ له: إنه يتكلمُ بالأمرِ


(١) ليس في كتاب الله آية بهذا السياق، وإنما فيه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل: ٥٢].
(٢) هو عَبْهلة بن كعب بن عوف العَنْسي المَذْحجِي، ذو الخمار، أسلم لما أسلمت اليمن، ثم ارتد، فكان أول مرتد في الإسلام، قتله فيروز الديْلَمي في السنة الحادية عشرة للهجرة قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيوم. "المنتظم" ٤/ ١٨، و"البداية والنهاية" ٩/ ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>