للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فما الفائدةُ في ذلك؟

قيل: الفائدةُ التي تحصَّلتْ، بالتكاليفِ كلِّها؛ في الأبدان بما يشقُّ من الأعمالِ، وفي الأموالِ بما تبخلُ به النفوسُ، وتَضِنُّ (١) به الطِّباعُ، كما قالَ سبحانه: {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [المائدة: ٤٨]، هو ما (٢) يَعْقُبُ ذلك من الثوابِ، وهذا أعظمُ التكليفين، لأنَّ أعمالَ القلوبِ أشدُّ من أعمال الأبدانِ، لأنَّها أشرفُ، وعليها مدارُ الأعمالِ.

ومن فوائدِه (٣): ظهورُمقاديرِ الرِّجالِ في التأويل [لأَمر] (٤) اللهِ، أو التسليمِ لأمرِ الله، ليجازيَ كلاًّ بحسبِ عملِه واجتهادِه.

وما (٥) قولُ القائل: ما الفائدةُ في شَوْب (٦) كتابِه بالمتشابِه، وقد كان يمكنُ أن يكونَ كلُه محكماً؟ مع تجويزِه واعتقادِه حُسْنَ التكليف، إلا بمثابة من قال: لماذا خَلقَ القُلْفَة، وكَلفَ الخِتانَ، وقد كان في الإمكانِ خلقُ الحشَفةِ مكشوفةً بلا جلدةٍ، أو خلقُ الجلدةِ مقلَّصةً غير مسبلةٍ؟ ولماذا خلقَ الخلقَ وكلَّفهم ما يشُقُّ، وفي الإمكان أن يبدأهم بالتفضلِ بالجنَّةِ، كما [فعل] (٤) بآدم ابتداء؟ ولمَّا خلقَ آدَمَ، لماذا كلَّفَه تركَ شجرةٍ حتى أكلَها، فقطعَ نعيمَه بالإهباطِ؟ وهذا أمرٌ يتَسَلْسَلُ، فكلُّ عذرٍ لهذا القائِل بِحُسْنِ التكليفِ، وتأويل


(١) في الأصل: "ونظن".
(٢) في الأصل: "وما".
(٣) يعني: فوائد وجود المتشابه في آي القرآن.
(٤) ليست في الأصل.
(٥) في الأصل: "وأما".
(٦) الشَّوب: هو الخلط "القاموس": (شوب).

<<  <  ج: ص:  >  >>