للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكر: أفقال لكم العام؟ لَمَّا شَكُّوا في عمرةِ القضاءِ، وعَصوا عليهِ، لَمَّا أمرَهم بنَحرِ هديِهم (١) وتسليمَ من يُسَلِّمُ لأمرِه إن عجزَ عن التأويلِ لقولِه وفعلِه، فهذا أَمرٌ لا يُنكرُه من دخلَ معنا في حسنِ التكليفِ، ووافَقنا في صُدور (٢) هذه الأمورِ المشتبهةِ عن اللهِ سبحانه، فانْسَبَكَ من هذا الكلامِ: أنه إذا جازَ أن تصدرَ عنه الأفعالُ المشتبهةُ التي افتتنَ بها كثيرٌ من الناس، إما اعتماداً على إيجاب التسليم لأمرِه، لأنهُ أهلٌ أن يُسلَّمَ لهُ لِما وَضَحَ من حكمتِه، أوَ اعتماداً على استخراج التأويلِ له بغايةِ الجهدِ ومبلغِ الوسعِ، فلا يبقى [بعد] (٣) ذلك ضلالٌ من جهةِ التشابهِ في الأفعالِ والأقوالِ، وإنَّما يُدْهَى المكلفُ من قبل الإغفالِ والإهمالِ لِما يجبُ عليه من الاجتهادِ الذي بَيَّنَّاهُ، ولهذا حسُن العتبُ، ووقعَ التوبيخُ موقعَه، إذ لو لم يكنْ في القوى ما يدفعُ الشبهَ، لما قال سبحانه: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ} [الأعراف: ١٤٨]، ولما قال: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}


(١) حدثَ ذلك بعد إبرام الكتاب مع قريش، حيث قام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لأصحابه: "قوموا فانحروا، ثم احلقوا" فما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاثَ مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أمِّ سلمة، فذكر لها ما لقيَ من النَّاس، فقالت أُمُّ سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج، ثمَّ لا تكلِّم أحداً منهم كلمة حتى تنحرَ بُدنك، وتدعو حالقَك فيحلقك، فخرج فلم يكلِّم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحرَ بدنه، ودعا حالقه، فلما رأوا ذلك، قاموا فنحروا، وجعلَ بعضُهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمَّاً.
أخرجه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" ٨/ ٣١٢ والبخاري (٢٧٣١) و (٢٧٣٢)، وأحمد ٤/ ٣٣١، وذكره ابن كثير ٣/ ٣٢٢.
(٢) في الأصل: "صدر".
(٣) ليست في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>