للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرَدَّ (١) أبا جندل (٢)، ورجعَ ذلك العام، حتى قال من قال، وشَكَّ من شكَّ، واحتجَّ من احتجَّ عليه: أليس قد قال: "لتدخلُنَّ"؟ حتى قالَ: "أقُلتُ العامَ؟ والله لتدخلنَّ (٣) ".

فهذهِ المقاضاةُ من الامتحانِ والافتتانِ، صَدَرتْ (٤) عن اللهِ فعلاً، فكيف يُنْفَى عن كتابِه المتشابهُ الموهمُ للتشبيهِ وغيرِه، ولا يجوزُ عليه؟ وقد بيَّنا جوازَ أمثالِه، لَيُظهرَ اللهُ مَحَلَّ المتأولين، كقولِ أبي


= أخرجه البخاري (٢٦٩٨)، ومسلم (١٧٨٣)، وأبو داود (١٨٣٢).
(١) في الأصل: "ورد".
(٢) خبرُ ردِّ أبي جندل بن سُهيل بن عمرو إلى المشركين في صلحِ الحديبية، أخرجه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" ٢/ ٣١٨، والبخاري (٢٧٣١) و (٢٧٣٢)، وأحمد ٤/ ٣٣٠، وذكره ابن كثير: ٣/ ٣٢١، ومما جاء فيه: أنه بينما هم يكتبون إذ دخلَ أبو جندل يَرْسُفَ في قيودِه، وقد خرجَ من أسفلِ الكعبة حتى رمى بنفسه بينَ أظهر المسلمين، فقال سهيلٌ: هذا يا محمد أوّلُ ما أُقاضيك عليه أن تردَّه، وكان قد جاء في بنودِ الصلح: أنَّه من أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلماً بغير إذنِ وليه من قريش، فعلى الرسول أن يردَه، ومن أتى قريشاً ممَّن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يردوه عليه.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنا لم نقضِ الكتابَ بعد"، قال: فوالله إذاً لم أُصالحك على شيء أبداً، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فأجِزْه لي"، قال: ما أنا بمُجِيزِهِ لك، قال: "بلى فافعل" قال: ما أنا بفاعل، ورُدَّ أبو جندل إلى المشركين.
وعند ابن هشام وابن كثير: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عهدَ الله، وانَا لا نغدرُ بهم".
(٣) انظر المصادر السابقة ففيها خبر الحديبية مفصّلاً.
(٤) في الأصل: "صدت".

<<  <  ج: ص:  >  >>