للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تصلَ إلى القلبِ، فليس كذلك، بل سُحالةُ (١) الذهب إذا حصلت في المعدةِ، رسبت ولم تتحلل؛ بحيث ترتقي إلى غير محلِّها، فضلاً عن أن تصلَ إلى القلبِ.

ولأنَّ قولَ العرب: أُشرِبوا، لا يرجعُ إلى الشرب، إنما يرجعُ إلى الإشراب، وهو الإشباعُ، وذلك يرجعُ إلى الحبِّ لاَ إلى الذواتِ التي هي الأَجسامُ، ولهذا لا يقال: أُشربوا في قلوبِهم الماء، وهو مشروبٌ، فكيف يقالُ في العجلِ؟ على أنَّ إضافَته إلىِ القلبِ، إضافة إلى محلِّ المحبةِ، وقد وردَ الخبرُ بأنهم كانوا يقولون في سُحالتِه إذا تناولوها: هذا أحب إلينا من موسى، ومن إلهِ موسى، لما تأكدتْ فتنةُ العجل في قلوبْهم.

ومن أَدلتِنا: قولُه تعالى: {بلسانٍ عَرَبيٍّ مُبينٍ} [الشعراء: ١٩٥]، وإذا ثبت أنَّه عربي، فإن لغةَ العرب مَشتملةٌ على الاستعارةِ والمجازِ، وهي بعضُ طرقِ البيانِ والفصاحةِ، ولو أَخلَّ بذلك، لما تَمَّتْ أقسامُ الكلامِ، ولا تَصرَّحَتْ فصاحتُه على الكمال والتمامِ، ولا بانَ تَميُّزُهُ (٢)، وإنما يَبين تعجيزُ القومِ إذا طالَ، وجمعَ بين استعاراتِهم وأمثالهم وحقائِقهم، ولا يَبينُ عوارُ الألفاظِ إلا إذا طالتْ، ولهذا لا يحصلُ التحدي بمثلِ {تَبَّتْ} ولا بالآية والآيتين، ولهذا جعلَ حكمَ إلقليلِ منه غير محترمٍ احترامَ الكثيرِ الطويلِ، فسوَّغ الشَّرْع للجُنبِ والحائِضِ تلاوتَه (٣)، كلُّ ذلك لأنَّهُ لا إعجازَ فيه، فإدْا أتى بالمجازِ


(١) السُّحالةُ، بالضم: ما سقط من الذَّهب والفِضَّة إذا بُرِدَ. "القاموس": (سحل).
(٢) في الأصل: "تمييزه".
(٣) في قراءة الحائض والجنب شيئاً من القرآن روايتان عن الإمام أحمد: =

<<  <  ج: ص:  >  >>