للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشخصَ بما يشاكلُه، والشيءَ بما يقاربُه، والاطِّلاعُ على القياسِ فضيلةٌ للمتكلِّم، فكيفَ يُدَّعى [أنه] ضرورةٌ؟!

ولهذا قالوا: إنَّما يبينُ فضلُ الشاعرِ في التشبيهِ، دونَ المديحِ والغَزل والمراثي، فإنَّ ذلك قد يحرِّكُه إلى التجويد فيه عطاءٌ يوجبُ المدحَ، وحزن يوجبُ التجويدَ في المرثيةِ، وبُغْضٌ يوجبُ الهجاءَ، وعشقٌ يوجبُ الوصفَ، فأمَّا التشبيهُ فَمَحضُ مُوازنة، أصلُها صحةُ اللَّمْحِ، وجَوْدَةُ النظر، لإلحاقِ (١) المِثلِ بالمِثلِ.

وأحسنُ من هذا القول في سهولة الانفعال على الصانع جلَّتْ عظمته: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١)} [فصلت: ١١] {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: ٣٠]، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢].

على أنَّ أصلَ الكلامِ إنَّما وُضِعَ -أعني: حقيقته- لأجلِ حاجةِ المتكلِّمينَ إلى التفاهمِ والتخاطُبِ، فهو بين نداءِ البعيدِ، ومناجاةِ القريبِ، وترخيمٍ لاستعجال الاستدعاءِ، ونُدبة هي في أصلِ الوضعِ تَفَجُّعٌ، وتَوجُّعٌ (٢)، واستراحةٌ لإخراجِ الكمَدِ من الصدور؛ بالهاءِ في قولهم: يا سيِّداه، يا أبتاه، يا ابناه، قال الله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: ٨٤] وقال: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [يس: ٣٠]، {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ} [الشعراء: ١٠]، {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} [مريم: ٥٢]، وجميعُ الحقائقِ التي تكلَّم


(١) في الأصل: "لا لإلحاق".
(٢) في الأصل: "تفجعاً وتوجعاً".

<<  <  ج: ص:  >  >>