للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن دخلنا على التزامِ الأشدِّ، وهو ردُّ النفي [إلى] أحكام الصلاةِ والعقدِ والأعمالِ المذكورةِ في الأخبارِ، وإلى صفاتِها دونَ أصولِها، فَهيَ وإنْ لم تكنْ مذكورةً، إلا أنَّها معلومة بظاهرِ اللفظِ، ألا ترى أنَّ قولَ القائلِ: أقَلتُكَ عثرتَكَ، ورفعتُ عنكَ جنايتَكَ، يعقلُ منه: أحكامُ العثرةِ والجنايةِ، وهي المؤاخذةُ بها، والمقابلةُ عليها، دون ذاتِها؟ لأنَّ تلكَ انعدمت عَقيبَ وجودِها، ووجَب عدمُها لانعدامٍ أَعدَمَها (١)، وكذلكَ الأعمالُ كلُّها.

وإذا كانَ هذا معلوماً من جهةِ ظاهرِ اللفظِ، كان بمنزلةِ المنطوفِ به، وليس كل ما عُدِمَ من صيغةِ اللَّفظِ، لم يكن له حكمُ اللَّفظِ إذا كانَ معقولاً، بدليلِ الأَوْلى والتنبيه، فإنَّه ليس بمنطوقٍ به، فإن الضربَ والشتمَ ليس بمنطوقٍ به في النهي عن التأفيف، وجُعِلَ له حكمُ النطقِ، لمَّا كان معقولاً من طريق النطق.

وأمَّا قولُهم: إنَّ حملَه على الجميعِ دعوى عمومٍ في المضمَراتِ، وذلكَ يؤدي إلى التناقضِ، فلا (٢) يصحُّ، لأنَّ ذلكَ لو أدَّى إلى التناقضِ، لوجَب إذا أُخرِجَ من الإضمارِ إلى الإظهارِ والنطقِ بهِ، أن لايصحَّ، ومعلومٌ أنَّه لو صَرَّحَ، فقالَ: لا صلاةَ جائزةٌ لا ولا فاضلةٌ إلا بأمِّ الكتاب، ولا نكاحَ صحيح ولا فاضلٌ إلا بوليٍّ، [لم يكن متناقضاً]، ولو كانَ متناقضاً، لانْكشَفَ تناقضه لَمّا تطق به، ألا ترى أنَّ سائرَ المتناقضاتِ، إذا صُرِّحَ بها، انكشفَ تناقضُها؟ مثلُ قولِ القائلِ: قامَ زيدٌ جالساً، وتكلَّم صامتاً، وعاش ميتاً.


(١) رسمت في الأصل: "لا نعدم اعدمها".
(٢) في الأصل: "لا".

<<  <  ج: ص:  >  >>