للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقوله ذلك وعدمُه سواء، إِذ (١) كان التجويزُ حاصلاً في الحالين جميعاً، وإبهامُ العاقبةِ أصلحُ في التعبُّدِ، وأصلحُ في الابتلاءِ، فإنه لو قيل لإبراهيم الخليل: خذ واحِدَكَ والمُدْيَةَ والحبلَ واذبحْهُ، إلا أن يُنْسَخَ ذبحه إلى ذبح كبشٍ يكون فداءً له، لانحطَّت رتبةُ البلوى عن قَدْرِها، إذا كانت العاقبةُ مبهمةً، وهو إلى الخوف أقرَبُ [منه] إلى الرجاءِ، ولهذا لما هَوَّنَ على يُوسُفَ في الجُبِّ بالوحي إليه: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [يوسف: ١٥]، كانتْ محنتُهُ في تقلبِ أحوالِهِ، أهونَ من محنةِ أبيه يعقوبَ، حيث أُبهمتْ عنه العاقبةُ، ولم يُوحَ إليه في شأنِ يوسفَ بشيءٍ في عاقبة أمرِه ومآلِهِ، يُريحه (٢) في الحال، بل تركه على عِظَمِ البَلْوى مع إبهامِ العاقبةِ.

على أنَّ هذا اشتراطُ تقييدٍ في التكليفِ لا يُحْظَى فيه بِنَقْلٍ، ووَضْعُ الشروط بالرأي لا يلتفت إليه.

وما (٣) الفرق بين قوله هذا، وبين قوله: أنا أشترِطُ أنْ يَعْلَمَ المكلفُ متى يُنْسَخُ، فلا بُدَّ من تحقيقِ زمانِ التكليفِ، وبيانِ مقدارِه (٤)؛ بالإطْلاع له على مقدارِ مدةِ الحكمِ؟

فإن قيل: فالنسخُ يخالفُ تخصيصَ العمومِ، لأنه لو قال: اقتلوا المشركين كلهم قاطبةً أجمعينَ أكتعينَ، حَسُنَ أن يبهم العاقبة فيه إلى أن تردَ دلالةُ التخصيصِ، ولو قال: تمسكوا بالسبت أبداً، صَلوا إلى


(١) في الأصل: "إذا".
(٢) في الأصل: "وبماله يروحه".
(٣) في الأصل: "وأما".
(٤) في الأصل: "مقدارها".

<<  <  ج: ص:  >  >>