للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيت المقدس أبداً سرمداً، لم يجز النسخ، وعاد النسخ بداءً ولهذا تسكع (١) ابن الراوندي (٢) لليهود في لفظةِ التأبيدِ، وأخذ منهم قدراً من المال علي ما حكاهُ لنا المشايخُ الأصوليون (٣). قال: وإذا كان كذلك، وجب الإشعارُ بالنسخ.

قيل: لا نسلِّم أن التأكيد بذكر التأبيد يؤَثِّرُ منعاً (٤) للنَّسخ بل يُبَيَّنُ بالنسخِ بعد ذلك أنه أراد أبداً من الآباد، كما قال للكفار: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: ٩٤ - ٩٥] وأخبرَ سبحانه عن تمنيهِمُ الموتَ في النار، وأنهم يقولون: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: ٧٧] أي: لِيُمِتْنا (٥)، فبانَ بذلك أنَّه أرادَ بالأبدِ: مُدَّتَهم في الدنيا، ومبلغَ أعمارِهم.

ومنها: أنَّ القولَ بتأخيرِ البيانِ عن الخطابِ إلى حين الحاجةِ، لا يوجبُ مُحَالاً في العقلِ، من إفساد دلالةٍ، أو قلبِ حَقيقيةٍ، أو إخراجِ بعض الأمورِ عما هو به، أو إلحاقِ وصفٍ بالقديم (٦) المتعبَّد


(١) التسكع: التمادي في الباطل.
(٢) هو أبو الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي أو ابن الراوندي.
فيلسوف مجاهر بالإلحاد من سكان بغداد. قال الحافظ ابن حجر: الزنديق الشهير، كان أولاً من متكلمي المعتزلة، ثم تزندق واشتهر بالإلحاد. صنف كتاب "الزمردة" و"الدامغ" وحشاهما بالإلحاد والزندقة والطعن في النبوات والتشكيك في القران، هلك سنة ٢٩٨ هـ: "وفيات الأعيان" ١/ ٢٧، و"البداية والنهاية" ١١/ ١١٢، و"سير أعلام النبلاء" ١٤/ ٥٩، و"لسان الميزان" ١/ ٣٢٣، و"الأعلام" ١/ ٢٦٨.
(٣) انظر "العدة" ٣/ ٧٧٧ - ٧٧٩.
(٤) غير واضحة في الأصل.
(٥) في الأصل: "ليميتنا".
(٦) القديم ليس من أسماء الله الحسنى، إنما هو من التسميات التي جرت =

<<  <  ج: ص:  >  >>