للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكيمِ (١) قبيح.

والثاني: أنَّه إنَّما وُضِعَ الوعيدُ للصرفِ عن الفساد، وإقامةِ مصالح الدين، وفي انخرام ذلك تفويتٌ للقصدِ، فلم يبق إلا الوعيدُ الجزمُ الحتمُ.

فيقال: أما تجويز الكذبِ، فلا وجهَ له؛ لأنَّ المنعَ لو كان لذَلك، لَمُنعَ من تخصيِصِ العموم في الخبر مقارناً ومتأخراً، لأن الكذبَ لا يختصُّ بما تأخَّر دون ما قارن، ولأنَّ إخلاف (٢) الوعيد لا يسمَّى كذباً عند العربِ، ولهذا تَبَجَّحَت بإخلاف (٣) الوعيد وإنجاز الوعدِ، فقال شاعرهم:

وإني إذا أَوْعَدْتُهُ أو وَعَدْتُهُ ... لمُخْلِفُ إيعادي ومُنْجِزُ مَوعدي (٤)

وأما الصرف عن القبيح، فإنه يحصلُ مع تجويزِ العفوِ، والدليل عليه: أن تجويز وقوع العقوبة كافٍ، ولهذا شَرْعُ العقوباتِ والحدود في الدُّنيا صوارفَ عنَ القبيح والفسادِ، لم يخرجْهَا عن وضعِها، وكونها صارفةً، ما جَوَّزَه من الإسقاط بالشبهات، وما ندبَ إليه من السَّتر، وقبول الرجوعِ بعد الإقرارِ، وغير ذلك، فليس وعيدُ الآخرة في الزجر بأوفى من وعيدِ الدُّنيا، بل عقوباتُ الدنيا نقدٌ وتعجيلٌ، ولم يضعه وضعاً جزماً، ولا (٥) بحيث يقعُ لا محالةَ، فكذلكَ وعيدُ


(١) في الأصل: "الحكم".
(٢) في الأصل: "اختلاف".
(٣) في الاْصل: "باختلاف".
(٤) هو لعامر بن الطفيل، وتقدم في ٣/ ٤١٠.
(٥) في الأصل: "بل".

<<  <  ج: ص:  >  >>