والسرياني للعربي ثقة بما يشفعُ ذلك من التراجم والتفسير والتعبير؟ وقد عَلِمَ المخالفُ أننا وجمهورَ أهلِ السنة، جوَّزنا خطابَ المعدومِ حَالَ عدمه ليوجدَ، ودلَّلنا عليه، فأولى أن نجوِّزَ خطاباً بما لا يُفْهَمُ معنَاهُ لِيُفْهَمَ، ويُبَيَّنَ في الثاني، ومعلومٌ تفاوتُ ما بين المعدومِ رأساً، وبين الموجودِ العديمِ الفهمِ لإعجامِ الخطاب.
فإن قيلَ: لو كانَ هذا الأَوْلَى صحيحاً، لكانَ خطاب المجنون ليعقلَ ويفيقَ، والصبي ليبلغَ في مستقبل الحالِ جائزاً، لأنَّ عدمَ العقلِ دونَ عدمِ الأصل، فإذا لم يتحصَّلْ بتجويزِ خطابِ المعدوم عندكم خطابُ المجنون والطفل من طريق الأَوْلى، لم يتحصل تجويز خطاب بمجملٍ، وبما لا يُفْهَمُ، لِيُفْهَمَ في الثاني، من تجويز خطاب المعدومِ لِيُوجَدَ، ومعلوِمٌ أن الشرع قد قال:"رفعَ القلمُ عن ثلاث"(١)، وذكرَ المجنون، فعاد تنبيهُ الشرعِ بإبطالِ خطابِ المعدومِ، فكان تنبيهُ الشرعِ مُقَدَّماً على تنبيهِكُم.
قيل: ومَن أعلمَكُم أننا لا نجوَّز توجُّهَ الخطاب إلى مجنونٍ في المعلومِ أنه يفيقُ، وصبيٍّ في المعلومِ أنه سَيَبْلُغُ؟ وإن أردْتُمْ تجويزَ خطابه مع عدم هذا الشرطِ، فذلك باطلٌ.
عدنا إلى إتمام الجواب عن أصلِ الشبهة: وذلك أنَّ أصلَ ما تعلقتم به من تقبيحِ خطابِ المكلَّفِ بما لا يُفْهَمُ منه مُرَادُ المُتكَلِّمِ، إنما هو لتَعَذُرِ طاعته فيما أُمِرَ به، وذلكَ موجود في خطاب العاجز الذي لا يصحُّ منه الفعلُ المأمورُ به مع عدمِ قدرتهِ، وكذلكَ القادرُ العادمُ للآلةِ التي لا غنَاءَ به عنها في فعلِ صناعتِه، ثمَّ لم يقْبُحْ ذلك