للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضبَّ، ثم قال: "إني أجد نفسي تَعافُه، لأنه لم يَكُن في أرضِ قومي" (١)، واعتذر عن تركِ فسخِ الحج إلى العمرة بسوقه للهدي (٢)، وهذا يعطي أنَّ تركَه [لا] يجبُ الاقتداء به، فإنَّه يوهمُ التحريم في المتناوَلاتِ (٣)، والإسقاطَ في العباداتِ، أو تحريم الفعل (٤) لنا، مع أنَّه قد كانَ ينفر من تعاطي كثرةِ العبادات، ويكره التبتُّلَ، وشدةَ التقشفِ، والترهبنَ، ويذمُّ عليه كلَّ سالكٍ سلكه.

ولأنَّ التركَ يخالفُ الفعل؛ من حيث إنَّه لا يحصلُ به تفسيرُ مجملٍ، ولا تخصيصُ عموم، وإنما هو نفيٌ وعدم، ولأنَّ القائلينَ بالندبِ، لم يجعلوا تركَه للتعبُّدِ مؤذناً بالندب لنا على الترك لما هو عبادة؛ من صلاة، أو ذكر، أو تلاوة، فنكون مندوبين إلى الاستناد والاتكاء ما دام متكئاً، ومضطجعين ما دام مضطجعاً، لا يجوز لنا الاجتهاد حال تركه، بخلاف التعبد منه.

فقد بانَ الفرقُ بين الفعلِ والتركِ في حقِّه - صلى الله عليه وسلم -.

ومن ذلك: أنَّ ما فعلَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حقٌّ وصوابٌ، ومصلحةٌ في الوقت الذي فعله على الوجه الذي فعله، هذا متحقِّق، فلا يؤمَن مع هذه الحال أنْ يكونَ اعتمادُنا إلى تركِه مفسدةً لنا في الدين والدنيا، وهذا هو الظاهرُ، فوجَبَ اتباعه، لنَحْظى بنيلِ الأصلحِ، ونأمَنَ مواقعةَ الأفسدِ.


(١) أخرجه أحمد ٤/ ٨٨ - ٨٩، والبخاري (٥٥٣٧)، ومسلم (١٩٤٥)، وأبو داود (٣٧٩٤) عن عبد الله بن عباس، عن خالد بن الوليد رضي الله عنهما.
(٢) تقدم تخريجه ٢/ ٢٦.
(٣) في الأصل: "المتاولات".
(٤) في الأصل: "بفعل".

<<  <  ج: ص:  >  >>