للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ قيل: وكم من مصلحةٍ له تخصُّه - صلى الله عليه وسلم -، [هي] مفسدةٌ لنا، وكم من شيء يكونُ صلاحاً لنا دونه، وقد عُلِمَ ذلك بمخالفةٍ بيننا وبينه في تحريم أَشْيَاءَ عليه، هي مباحة لنا، كالصدقةِ، ونكاح الإماء، و [تحريمِ] أَشياءَ [علينا، هي] مصلحة له، وهي مفسدةٌ لنا، كالتزويجِ بغير حصر بعدد، ومثل أخذِ الماءِ من العطشان (١)، ومنها أشياء وجبت عليه، كالوتر، وقيامِ الليل، ولم تجب علينا، والسواك، إلى ما شاكل ذلك، فلا نَأْمَنُ أن نواقعَ باتباعه مفسدةً لنا، وإنْ كانَ الفعلُ مصلحةً له، فبان من هذا: أنَّه لا يلزم أنَّ ما كانَ في حقِّه مصلحةً، يكونُ مصلحةً فى حق كلِّ مكلَّف.

فيقال: إنَّ من كان قدوةً ومناراً للاتِّباع، لا يقعُ منه فعلٌ تخصُّه مصلحته، فيجوز له الإمساكُ عن بيانِ التخصيص له بذلك، وتخصيصِه لمصلحةٍ فيه، لا سيَّما إذا كانَ في حقِّ غيره مفسدةً، والدليلُ عليه: أنَّ المُتَّبَعَ إذا كانَ أتباعُه معه في طريقٍ وهو محتذٍ مُنتعِل، وهم حفاةٌ، فوَطِىءَ شَوْكَاً ومَدَراً، لا يُؤْذي المُحْتذيَ المُنتعِلَ، ويؤذي الحُفاةَ، لم يجز له المشي والإمساك (٢)، فيكون غروراً لمن يتبعه، إذ علم أنَّ المُتَّبعَ له يتأذى لعدم الحِذاءِ، ومكان الحفَاَءِ، وكذلك من شربَ من ماء ينتفعُ هو به، أَو أكل ثَمَرةً (٣) يعلم أنَّها توافقُ مزاجَه، وله تبع يعلم أنَّهم يستضرون بذلكَ الماءِ والثمرِ، فإنَّه يقْبُحُ ذلكَ منه، إذا علمَ أنَّهم يَغْترُّونَ (٤) بتناولِه، وأنهم قد يَتَّبِعُونَه في ذلك، فكيف إذا عَلِمَ أنهم على الاتِّباع له لا مَحَالَةَ؛ فبان بهذا: أنَّه


(١) انظر "الخصائص الكبرى" للسيوطي ٢/ ٢٤٤ و ٢٤٥.
(٢) أي: الإمساك عن بيان التخصيص له بذلك.
(٣) في الأصل: "مرة".
(٤) في الأصل: "يعثرون".

<<  <  ج: ص:  >  >>