للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعشرون ثم قال: "هكذا وهكذا"، يشير بأصابعه فعلاً (١)، وقال قولاً، وشبَّك بين أصابعه (٢)، وبيَّن آيةَ الوضوءِ بفعله (٣)، ولم يدلَّ ذلك على أنَّ القولَ ليس بدلالةٍ بنفسه.

وهذا يتحقق بشيء حَقَّقْناه لهم، وهو: أنَّ الإباحة إذن وإطلاقٌ على مذاهب الناس كلِّهِم، سوى من قال: ليس لنا فعلٌ مباحٌ، وهو الكَعْبِيُّ، وقد أجمع أهلُ الإثبات للإباحة: أنَّ ذلكَ لا يحصلُ إلا بإذنٍ سمعي، ولا سمعَ بالإذنِ لنا في فعلِ مثلِ ما فعلَه - صلى الله عليه وسلم -.

وأمَّا الندب: فهو نوعُ استدعاءٍ وحثٍّ من غير حَتْم؛ وهو استدعاء على صفةٍ، والفاعلُ إذا لم يكن [في] فِعْلِه إشارةٌ مفهومة تعطي الاستدعاءَ، كان صورةُ فعلِه هيئةً من هيئاتِهِ، يصحُّ أنْ تكونَ مُسْتَدْعاةَ منه باستدعاءِ غيره، وهو الأعلى الطالبُ منه تلك الهيئة باكتسابه لها، فأمَّا أنْ تقعَ استدعاءً وطلباً لمثلها من غيره، فليسَ ذلكَ وضعاً، ولا عُرفاً، وإنَّما تصيرُ الأفعالُ كالاستدعاءِ، إذا عُلِّقَ الأمرُ الصَّريحُ


(١) تقدم تخريجه ١/ ١٩٤.
(٢) لعله يريدُ بذلك ما ورد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كيف بكم وبزمان -أو قال: يوشك أن يأتي زمان- يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا، فصاروا هكذا" وشبك بين أصابعه ...
إسناده صحيح، رواه أحمد ٢/ ٢٢١، والحاكم ٤/ ٤٣٥. وعن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"، وشبك بين أصابعه. أخرجه البخاري (٢٤٤٦).
(٣) تقدَّمت الإشارة إليه في حديث: "هذا وضوئي، ووضوء الأنبياء من قبلي". انظر ٢/ ١٧٢ - ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>