للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكشوفة بألفاظ مفهومةٍ، بصورةِ (١) فعلٍ، لا تُعْطِي سوى المشاهدةِ لها، ولا تُعرِبُ عن شىء مفهوم، ولا معنى معقول، والبارىء قال له: {لِتبيِّنَ للنَّاس ما نُزِّلَ إليهم} [النحل: ١٤٤] فأمره ببيانِ الألفاظِ الغامِضَةِ، وماَ فيه نوعُ خفاءٍ بالبيانِ، والمجملةِ (٢) بالتفسيرِ، والمختلفِ ظاهرهُ بالجمع، إلى أشباه ذلك، فكيفَ يَحْسُن مع هذا أنْ تنزَّلَ إليه صيغةٌ تقتضي الإيجابَ أو الندبَ أو الإباحةَ، فيَعْدِلَ عن تلكَ الصيغةِ إلى صورةِ فعلٍ لم توضع للإفْهَامِ ولا البَيَانِ؟!

فإذا لم يكن فيها إيجابٌ -وهو ما ادعيتموه-، ولا استدعاءٌ، ولا إطلاقٌ وإباحةٌ، لم يكن لنا سوى الوقفِ إلى أن يأتيَ البيانُ: مَن المُخاطَبُ به، وكيف الخطابُ، لئَلاَّ يُنْسَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ما لاَ يَليقُ به من التَّقصِير في البَيانِ والبَلاع المأمورِ بهما بنص القرآن، وهو قوله: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧]، {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤].

فيقال: لا بيانَ أوضحُ ولا أبينُ من الأمرِ باتِّباعهِ والتأسِّي به، والبيانُ الذي أُمِرَ به، تارة كان بفعلِه، وتارةً بقولِه، ولهذا أشارَ إليه بالبيانِ بالفعلِ، حيث نزَلَ جبريلُ، فصلى به عند البيت، وبَيَّنَ له المواقيت، وتنزل إليه، فبيَّن له المناسكَ، وبيَّن هو لأمتِه كما بُيِّنَ له، فقال للسائل صلى الله عليه وسلم: "صلِّ معنا" (٣)، ورفع إناءه، وشرب في مسيره في رمضان حيث بلغ كُرَاعَ الغميم (٤)، وطاف على


(١) في الأصل: "مصورة".
(٢) في الأصل: "والجملة".
(٣) تقدم تخريجه في ١/ ١٩٤.
(٤) أخرجه مسلم (١١١٤)، والترمذي (٧١٠)، والنسائي ٤/ ١٧٧ من =

<<  <  ج: ص:  >  >>