للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومذللاً لهم بما أمَرهُم بهِ مِنْ التعبداتِ، لَما علمنا بنزولِ مَلَكٍ ولا وحيٍ حكماً مِنْ الأحكامِ، بلْ كانَ ذلكَ مشوِّشاً لعقولِنا، وورَّثَنَا التعجبَ والدَّهشةَ؛ من مجيءِ حيٍّ يخالفُ خَلْقَنا وَشَكْلَنا بأمير ليس مِنْ عاداتِنا، كما أَدْهشَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مجيءُ جبريلَ عليه السلامُ، وقراءةُ القرآنِ عليه (١)، لولا فزعُهُ إلى أدلةِ العقولِ، وأَنَّ اللهَ سبحانهُ يجوزُ عليهِ ذلكَ، ويجوزُ أنْ يجعلَ ذلكَ طريقاً إلى سياسةِ العالَمِ.

ومنها: أَنّا نقولَ: إِنَّ اللهَ سبحانَهُ إذا أوحى إلى نبي مِنَ الأنبياءِ بأحكامٍ ثَبَتَتْ (٢) شرعاً ومِلَّةً له، ودانَ بها من ثبتَ عندَهُ صدقُهُ، فلا سبيلَ إلى رفعِها ونسخِها وإزالةِ أحكامِها إلا بمثلِ الوحي الذي ثَبَتَتْ بهِ، ومعلومٌ أَنَّ بعثةَ رسولٍ ثانٍ ليسَ بمناقضٍ لها ولا منَافٍ، فوجبَ بقاءُ تلكَ الشريعةِ بطريقها المقطوعِ به، والتَمسكُ بهِا (٣)، إلى أَنْ يردَ مِنَ الوحي إلى النبي الثاني ما (٤) يضادُّ تلكَ الأحكامَ وينافيها، فيكونُ ذلكَ نسخَاً لها، وما هذا إلا بمثابةِ الآيتين (٥) في شريعتِنا، مهما أمكنَ الجمعُ، فلا نسخَ، فإذا لم يمكن الجمعُ بينهما، كان الحكمُ للأخيرةِ، فارتفعَ حكمُ الآيةِ الأولى، حتى إننا لو تركنَا وأخْلَلْنَا بالعباداتِ التي تعبَّدنا اللهُ بها في الشريعةِ الأولى، لحسُنَ مِنَ اللهِ سبحانهُ عتابُنا (٦) ولَوْمُنا على ذلكَ، والاحتجاجُ علينا بما جاءَ بهِ


(١) وذلك عند بدء الوحي إليه - صلى الله عليه وسلم -. انظر "فتح الباري" ٢/ ٢٢ وما بعدها.
(٢) في الأصل: "ثبت".
(٣) في الأصل: "به".
(٤) في الأصل: "بما".
(٥) في الأصل: "الآية"
(٦) في الأصل: "عتبنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>