للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسولُ الأولُ، ولم يكن لنا (١) أَنْ نحتجَّ عن تركِ العباداتِ بنفس بعثةِ الرسولِ الثاني، لأنَّهُ مَا لَمْ تأتِ بنسخِ الأولِ ولا ردعِهِ لم تكن نفسُ بِعْثَتِه حُجَّةً في تركِ العملِ بما سَبَقَ.

ومنها: أن اللهَ سبحانَهُ حكىْ لنا في كتابنا أحكاماً مِنَ الكتب الأُولى، ولا يفيد ذكرُهُ لها إلاَّ تَعبُّدَنا بها، فأمَا أَنْ يورِدَها لنُخالفَهَا فلا، أوْ يذكرَها لا لفائدةٍ، فلا يجوزُ أيضاً، لم يبقَ إلا أَنّهُ ذكرَها لنَعْملَ بها، ونَتمسَّكَ بالعملِ بها إلى أَنْ تقومَ دلالةُ النقلِ عنها بالنسخ لها، فأمَّا مع الاحتمالِ، وعدمِ نَصٍّ يُوجبُ النسخَ لها، فيَجبُ (٢) أن نكونَ باقينَ على حكم الأصلِ، ونُحرِّرُه قَياساً، فنقولُ: إنَّهُ حَكمٌ ثبتَ بطريقٍ يثبتُ بمثلِهِ، فلا يُرفعُ إلاَّ بنصٍّ ينافيهِ، كالآيتينِ مِنْ كتابِنا، والخَبرينِ المَرْوِيَّينِ عن رسولِنا - صلى الله عليه وسلم -.

ومنها: أَنَّ الشرعَ للنبيِّ الأولِ جاءَ بلفظٍ مطلقٍ، فاقتضى بقاءَهُ على الدوامِ، ما لم يُصَرِّحْ وينصَّ على رفعِهِ، وأنَّ التمسك بهِ مفسدةٌ، والذي يُوضِّحُ هذا: أَن نفسَ بعثةِ الرسولِ الثاني لا يجوزُ أَنْ تكونَ مُغيَّرةً حكمَ الشرع الأولِ، وإنَّما الذي يغيِّرُ الشريعةَ الأولى أو ينسخها، تصريحٌ في الشَريعةِ الثانيةِ بتركِ الأولى.

ومنها: ما صحَّت به الروايةُ مِنْ أنَّهُ كان يتحنَّثُ بحراءَ، وكان يججُّ ويعتمرُ، ويذبحُ، ويكدُّ البهائمَ بالركوبِ، وهذا كله ليسَ طريقُهُ العقلَ، وإنما طريقُهُ الشرعُ، ولم يكنْ قد نزلَ عليهِ وحيٌ، فلم يبقَ إلأَ أنَّه كان ذلكَ منه بحكمِ شرائع مَنْ قبلَهُ، وقد رُوِىَ أنَّهُ كان يسألُ


(١) في الأصل: "الثاني".
(٢) في الأصل: "فيوجب".

<<  <  ج: ص:  >  >>