للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن شريعةِ إبراهيمَ، ثم يتعبدُ بها (١)، وكان يتجنبُ الأوثانَ والأزلامَ.

فإنْ قيلَ: ليس هذا من القولِ الصالح لإثْباتِ الأصولِ؛ لأنَّها آحادٌ مظنونةٌ، وطرقُها غيرُ مقطوعةٍ، نعم، ولا كانَ له طريقٌ يثقُ إليهِ، فيصيرُ متعبداً به؛ لأنَّ القومَ كانوا بينَ عابدِ صنمٍ، وبينَ أهلِ كتابٍ مُغير مبدَّل، والوحي لما (٢) يَنْزِلْ، لم يبقَ إلا أنه إن صح ذلك منه، فإنَّه كانَ يفعلُ ذلك برأيهِ، وما يغلبُ على ظنِّه صدقُ راويهِ (٣) من حيث الأمانةُ لا الديانةُ، فلا يكونُ ذلك تَعبُّداً مُعوَّلاً عليه، ولا معمولاً به عملَ شريعةٍ وتديُّنٍ.

قيل: لا (٤) يُطلبُ لأصول الفقهِ القطعياتُ، وقد تكرَّرَ منكم هذا، وليس بصحيح؛ لأنَّ هذه تَنْحطُّ عن أصول الدين، بأنْ لا يُفسَّقَ المخالفُ، ولا يُكفرَ، ولا يُهجَرَ، ولا يُدركُ لها أدلةٌ قطعيةٌ، ولا يُظفرُ بها، ولأنَّ السِّيَرَ كلَها متطابقةٌ على ما ذكرنا، وقد تلقَّتها الأمةُ بالقبولِ، فصارت كالتواتر.

فإن قيل: فلو صَحَتِ الروايةُ فيه، حملناه على أنَّه كان يفعلُه طمعاً في الانتفاع به، لا على تحقيق، و [أنَّه] تَرَكَ الأصنام تنزُّهاً، وكان عقلُه وتدبيرُه يمنعُه من ارتكابِ ذلك، أو استقباحاً له بعقله، فإنَّ العقل يستخبث ذلك ويستقبحهُ، فإن صحَّ فعلُه وتركُه، فلا طريقَ لكم إلى أنَّه فعلَ ذلك متبعاً لشرعِ من قبله، بل يحتملُ ما ذكرنا.

قيل: ليس في قُوَى العقلِ أن تقوم دلالته على فِعْلِ كُلْفةٍ، وتركِ


(١) انظر ما أورده السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ١٧٧.
(٢) في الأصل "فيما".
(٣) في الأصل: "رواية".
(٤) في الأصل: "ولا".

<<  <  ج: ص:  >  >>