للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحنفية (١) - في المنع من النسخ للشيءِ قبلَ وقتِ فعله خوفاً مَن البَدَاء، حيث نسخ قبل فعلِ شيءٍ أصلاً، ومنعوا من جواز اخترام المكلف قبل وقت فعل المأمور به، وجعلوا ذلك بداءً.

وذهب قوم من الرافضة -وحكوه عن موسى بن جعفر، وعن علي رضي الله عنه-: أن البداء جائز على الله سبحانه -وهذا غاية التباين في المذاهب-، وزعموا: أنَّ علياً ترك الإخبار بما يكون إلى يوم القيامة، لأجل وجود البداء في كتاب الله، يخاف أن يخبر بشيء، فيَبْدُو لله (٢) تعالى فيه، ويحكون عن علي رضي الله عنه، أنه قال: لولا آية في كتاب الله -وهي قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩]، لأنبأتكم بما يكونُ إلى يومِ القيامة (٣). ويزعمون: أن هذا الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله، لَمَّا بكى هو وجبريلُ، فقيل لهما: ألم نُؤَمِّنْكما النار؟ ألم نَعِدْكُما (٤) الجَنةَ؟ قالا: "بلى، لكن مَن يَأْمَنُ مَكْرَك" (٥) يعني: البداء.

وهذا تجاسر عظيم، وتهجم على الله بما لا يليق به سبحانه،


(١) انظر "تيسير التحرير" ٣/ ١٨٧، و"فواتح الرحموت" ٢/ ٦١ - ٦٢.
(٢) في الأصل "فيبدو الله".
(٣) ذكره الطبري في "التفسير" ١٦/ ٤٨٤، والسيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٦٧ عن كعب الأحبار.
(٤) في الأصل: "نعد لكما".
(٥) لم أجده يهذا اللفظ، وذكر الغزالي: قيل: لما ظهر على إبليس ما ظهر، طفق جبريل وميكائيل عليهما السلام يبكيان، فأوحى الله إليهما: ما لكما تبكيان كل هذا البكاء؟ فقالا: يا رب، ما نأمن مكرك؟ فقال الله تعالى: هكذا كونا، لا تأمنا مكري. "الإحياء" ٤/ ١٨١، ويبدو أن الحافظ العراقي لم يجد له أصلاً فلم يخرجه

<<  <  ج: ص:  >  >>