للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: ظاهرُ الكلامِ يعطي أن التحريمَ كان عقيب ظلمهم، ولو كان مقارناً للَّفظِ، كان التحريم سابقاً لظلمهم.

ومن ذلك -أعني: الواقع من النسخ-: أنَّ الله سبحانه فرضَ الوصيةَ للوالدين والأقربين بقوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٨٠]، ثم نسخ الوصيةَ بآيةِ المواريثِ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول آيةِ المواريث: "إن الله قد أعطى كُلَّ ذي حقٍّ حَقَّهُ، فلا وصِيَّةَ لوارثٍ" (١)، ونسخَ صوم عاشوراء بصومِ شهرِ رمضان (٢)، ونسخ كلَّ حقٍّ كان في المال بالزكاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس في المال حَقٌّ سوى الزكاةِ" (٣).

فإن قيل: ليس هذا بثابت بطريق يصلحُ أن يكون ناسخاً؛ لأنَّ صومَ عاشوراء لم يثبت وجوبُهُ ولا تلك الصدَقاتُ، ولا بين الوصيةِ والميراث تنافٍ، فتكونَ آيةُ المواريث ناسخةً.

قيل: هذا مما تَلَقَّتْهُ الأمةُ بالقبول، وكَثُرَ ناقلهُ، ولسنا نعتبرُ التواترَ، فإن أحمد قد نصَّ على النسخِ بأخبارِ الآحادِ تعويلاً على استدارةِ أهل قباءٍ، وسندلُّ عليه إن شاء الله في موضعهِ (٤)، وآيةُ


(١) تقدم تخريجه ١/ ٢٣١،
(٢) أخرج مالك في "الموطأ" (٨٤٢)، وأحمد ٦/ ٣٠، ٥٠، ١٦٢، والبخاري (٢٠٠٢)، ومسلم (١١٢٥)، وأبو داود (٢٤٤٢)، والتر مذي (٧٥٣) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترك عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه.
(٣) تقدم تخريجه في ٢/ ١٦.
(٤) انظر الصفحة ٢٥٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>