ذلكَ التقديرَ وعَلِمَه، وإنما غطى عنا الغايةَ امتحاناً وابتلاءً، بحسب امتحانِهِ بأنواعِ التكاليفِ، فأمَّا أن نحمله على ما لا يليقُ به، فكلا.
ومنها: أن قالوا: إنَّ الله سبحانه إذا أمرَ بشيءٍ، دلَّ على أنه حَسنٌ ومصلحةٌ، فإذا نهى عن شيءٍ، دلَّ على أنه قبيحٌ ومفسدةٌ، فلو جوَّزْنا النسخَ، لأفضى إلى كونِ الشيءِ جامعاً للنقيضينِ، فيكون حسناً قبيحاً، مصلحةً مفسدةً، ومحالٌ اجتماعُ النقيضين للشيءِ الواحدِ، فما أدى إليهِ، وجبَ أن يكونَ باطلاً.
فيقال: إنَّ الذي نهى عنه بالنسخِ ليسَ هوَ الذي أمرَ بهِ عندنا، بل المأمورُ بهِ هو الذي كانَ متعبداً به إلى الوقتِ الذي ورد فيه النهي، والمنهيُّ عنه هو ما بعدَ الغايةِ التي كشفَ لنا النسخُ أنَّ الأمر كانَ مقدَّراً بها.
على أنَّ الشيءَ الواحدَ لا يكونُ حسناً قبيحاً، مصلحةً مفسدةً في حالٍ واحدةٍ، فأمَّا في وقتينِ وحالينِ، فلا يمتنعُ ذلكَ، كالدواءِ يكون مصلحةً في وقتٍ وحالٍ، ومفسدةً في وقتٍ آخرَ، وما كشف الله سبحانهُ تَوْقيتَه؛ مثل قوله:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧]{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}[الجمعة: ١٠]، هذه كلها أمورٌ كانت حسنةً ومصلحةً في الوقتِ الذي قَدَّرَها به، وكانت بعدَ خروجِ الوقتِ غيرَ مصلحةٍ ولا حسنةٍ.
وكذلكَ العمومُ مع تخصيصِه، كانَ الخطابُ بالعمومِ مصلحةً، ثمِ جاءَ الخصوصُ، فكان بياناً للمرادِ به من الأعيانِ المخصوصةِ، وكان البيانُ مصلحةً أيضاً في وقتِه، ولم يكن البيانُ مصلحةً في وقتِ إيرادِ