للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أنْ قالوا: قد أجمعنا على أنَّ الخبرَ لا يجوزُ نسخه، وما ذلكَ إلا لأنَّ نَسخ الأخبارِ يعودُ بكونها كذباً، كذلكَ وجبَ أن لا يقالَ بنسخِ الأوامر والنواهي، لأنَّهُ يعودُ بكونهِ بداءً.

فيقالُ: أمَّا استطرادُكم بذكرِ البداءِ، فقد مَضى الكلامُ عليه، وفيه ما يغني عن إعادته (١).

وأَمَّا (٢) إلزامكم الخبر، فلا يلزمُ؛ لأنَّ الخبرَ إمّا بماضٍ أو مستقبل، فالخبر بالماضي إعلامٌ بما كانَ، والخبرُ عن المستقبل إعلامٌ بما سيكون، وليس يمكن إخراجُ أحدِهما ومعه لفظٌ يرفعهُ إلا ويقعُ محالاً، فنقول: قامَ زيدٌ أمس، لم يقُمْ زيدٌ أمس، وقامَ ولم يقمْ متنافيانِ، والمتنافي لا يجتمعُ للشيءِ الواحدِ، فلمَّا استحال أنْ يجتمع لزيدٍ القيامُ وعدمُ القيام في حالٍ واحدةٍ، لم يصح أن يجتمِعَ ذلكَ في قولٍ صحيح محكم، أو نقول في المستقبلِ: يقومُ زيد غداً، لا يقومُ زيدٌ غداً، فهًذا أيضاً محالٌ.

جئنا إلى مسألتنا، لو قالَ: استقبلوا بيتَ المقدس كذا كذا شهراً (٣)، ثمَّ تَحَوَّلُوا عنه إلى الكعبةِ، لم يتنافَ الاستَقبالُ الأولُ والثاني، ولا الأمرُ بهما، ومستحيلٌ للحكمِ الواحدِ، وهو الاستقبالُ نفياً وإثباتاً في زمانٍ واحدٍ لمكلفين مخصوصين، فهما سواءٌ في حالٍ واحدةٍ وفي حالينِ نفياً وإثباتاً.


(١) انظر ما تقدم في الصفحة ١٩٩ وما بعدها.
(٢) في الأصل: "فأمَّا".
(٣) في الأصل: "شهر".

<<  <  ج: ص:  >  >>