لم يَجُزْ ذلكَ في الأصول والاعتقاداتِ، كذلكَ في الفروعِ والعباداتِ.
فيقال وما الجامعُ بينهما، حتى إنَّه إذا لم يَجُزْ هذا، لم يَجُزْ هذا؟
ثم يقال: إنَّ ذلكَ عائِدٌ إلى مَنْ لا يجوزُ التغييرُ عليه، ولا خروجُهُ عن حالٍ، أو صفةٍ وُصِفَ بها، إلى ضدَّها أو غيرِها.
ألا ترى أنَّه لا يجوزُ أنْ يقول اللهُ سبحانَهُ: أوجَبْتُ عليكم توحيدي نهاراً، فإذا جاءَ الليلُ أسقطتُ عنكم التوحيدَ، وأَبَحْتكم التثنيةَ والتثليثَ؛ لأنَّ اللهَ سبحانه وجَبَتْ له الوَحْدةُ بدلائلِ العقول، واستحال أن يكونَ له ثانٍ في الإلهيةِ، والشرعُ لا يَرِدُ بتجويزِ ما أحال العقلُ، كما لا يردُ بإحالةِ ما جوَّزَهُ العقلُ.
فأمَّا الصلاةُ إلى جهةٍ، ونَقْلُنا عنها إلى جهةٍ، فجائزٌ أَن يُعَلَّقَ على زمانينِ مختلفينِ، وتكون المصلحةُ في كل وقتٍ، التوجُّهَ إلى الجهةِ التي عُلِّق التوجه عليها.
ومنها: أن قالوا: إذا جوَّزنا عليهِ النسخَ، لم يبقَ لنا طريقٌ نَعرِفُ به التأبيدَ، أي: لو أرادَ التأبيدَ في عبادةٍ أو حكمٍ من الأحكامِ، فيفسدُ علينا بابُ العلم بذلك، وفي ذلك إبطال كونه سبحانَهُ قادراً على إعلامنا بالتأبيدِ لبعضِ ما يريدُ تأبيدَه من الأحكامِ والشرائعِ.
فيقال: بل قَدْ بقي ما يمكنُ إعلامنا بهِ إرادةَ التأبيد، بأنْ يقول: ولسْتُ أنسخُهُ، ولِا أغيِّره، كما أنَّهُ أعلَمنا في حقِّ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - بأَنَه (١) لا نبيَّ بعدَه، ولا مغيِّرَ لشريعتِهِ، ولا ناسخَ لها، أو يَضْطَرَّنا إلى معرفةِ ذلكَ بوجهٍ من وجوهِ الاضطرارِ.