للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعجازَ فيه، وذلكَ ما تَضمَّنَتْه هذه السننُ المرويةُ عنه - صلى الله عليه وسلم - في الأحكامِ، والتلاوةُ المجردة عن الأحكام: القصص، وذكرُ السِّيَرِ، وذكرُ الجنةِ والنارِ، وصفة القيامةِ، وإذا كانَ كلُّ واحدٍ من الرسم والحكمِ منفصلاً، وليسَ من ضرورةِ أحدِهما وجودُ الآخر، صارا كالعبادتين والحكمينِ المختلفينِ، يجوزُ نسخُ أحدِهِما منفكَّاً عن نسخِ الآخرِ، فيُنسخُ (١) أحدُهما، ولا يُنسخُ الآخرُ.

فإن قيل: الحكمُ مع التلاوةِ، كالتنبيهِ مع الخطاب، والدليل مع النطق، والعلَّةِ مع المعلولِ، ولا يجوزُ أنْ يُنسخ الَخطابُ، ويبقى دليلُه، ولا التنبيه، ويبقى حكمُهُ وأَوْلاه، ولا العلَّةُ، ويبقى حكمُها، كذلكَ الرسمُ مع حكمِهِ.

فيقال: معنى الدليلِ: هو ما استفدناه من معنى تعليق الحكمِ على أحدِ وصفي الشيء، والتنبيه: ما استفدناه من فحواهُ، ومن المحال أن يثبتَ ذلك عن [غير] نطقٍ، وأمَّا الحكمُ فبخلافِ (٢) ذلك، لأنَّه إذا رفعت الآية من المصحف، لم تخرج عن أن تكون مما خوطب [به]، والحكم قد ثبت بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يكن قرآناً، وقد يردُ في الأخبارِ: "يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، فليظنَّ بي عبدي


= تفتقر إلى الحكمِ الشرعي، ولا الحكم الشرعي يفتقرُ إلى التلاوةِ، بل يجوزُ أن ينفصلَ كلُّ واحد منهما عن الآخر، لأنَّ الحكمَ قد يثبتُ من غير تلاوةٍ، مثل أفعال النبي، فصارت التلاوة مع حكمها بمنزلةِ عبادتينِ، فلما جازَ نسخُ إحدى العبادتين دونَ الأخرى، كذلك نسخُ التلاوة دون الحكم، ونسخ الحكم دون التلاوة.
(١) في الأصل: "فنسخ".
(٢) فىِ الأصل: "بخلاف".

<<  <  ج: ص:  >  >>