للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليسَ بينَ الخبر في الآية، وبينَ نسخِ الأسهلِ بالأثقلِ، اختلافٌ، ولا تناقضْ.

على أنه قد يصح نسخُ الخبرِ على هذا الوجه، وذلكَ أنه لو قالَ في حالِ: إنَّ الصلاةَ واجبةٌ عليكم، ثم قالَ: بعدَ وقتِ: الصلاةُ ليست واجبةَ، أمكنَ النسخُ بالثاني للأَولِ، ولا يكونُ الخبرُ كذباَ، لأنه أخبرَ في الأولِ؛ بأنها واجبةْ؛ لإيجابه لها، وأخبرَ في الوقتِ الثاني؛ بانها ليست واجبةَ؛ لانه أسقطَها، ويصيرُ الوقتانِ في اختلافِهما بالصلاةِ (١)، كالعبادتينِ المتغايرتينِ، كذلكَ قولُه: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨] , يجوزُ أن يكونَ المرادُ به إخباراً عن حالِ كانَ مريداً للتخفيفِ فيها، إذ كان الأصلحُ التخفيفَ، ويكونُ في حالةِ أخرى يريد الأثقلَ من التكليفِ؛ لكونه الأصلحَ، واللهُ أعلم.

وأما قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، فإنه الخبرُ الراجعُ إلى تجويزِ تاخيرِ الصومِ لأجلِ السفرِ والمرضِ، وهو اليسرُ المشارُ إليه، والعُسرُ المنهى عنه تكليفُ الصومِ فيهما، ولا يجوزُ أن يكونَ المرادُ به اليسرَ العاجلَ من طريقِ العمومِ، ولا نفيَ العسرِ العاجلِ على العمومِ، لأن التكاليفَ مختلفةٌ؛ بينَ شاق ثقيلِ، وسهل خفيف، وأحوالُ المُكلفِ في الدنيا مُتردِّدةٌ بين يسرٍ وعسرٍ، فيما يعودُ إلى الرزقِ وأحوالِ الحىَّ؛ بينَ صحةِ ومرضِ، وغنىَ وفقرِ، والتكليفُ المبتدأ الذي يجيزون نسخَه إلى الأسهل، قد كان قبل نسخه مراداً لله بالإجماعِ، فعُلِمَ أنه ليس إرادتُه لليسرِ عامةَ جميعَ أحوالِ المكلفِ، ولا نفيُ إرادتِه للعسرِ عامةَ جميعَ أحوالِ المكلف، فكل دليلِ خُص به ذلك في التكليف المبتدأ، والمنسوخِ بالأخفِّ، هو الذي تخص به إرادتُه لنسخِ الأسهلِ، الأخفِّ إلى الأصعب الأثقل.


(١) في الأصل: "الصلاة".

<<  <  ج: ص:  >  >>