للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنّا إن حملناهُ على عمومِه، على الوجه الذي ذكرناه في قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨]، وهو أنه اْرادَ تخفيفاً في العاقبة، وتسهيلاً يَعقُبُ أثقالَ التكاليفِ، كانَ حملاً صحيحاً؛ بدلائلنا التي ذكرناها.

وأمّا قوله: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} [الأعراف: ١٥٧]، فإنَّه سبحانه قد خَفَّفَ من وجهِ كان قد صعبه على الأممِ قبلنا، وسهلَ ما كانَ شديداً، ولأنَّه خبرٌ، قد كان ما خَبَّرَ، وهو وضعُ الإصر عنهم، والثقلِ الذي كان على من قبلهم من الأمم.

وأما قوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: ١٠٦]، فليس (١) فيهِ تصريحٌ بأثقلَ (٢) وأَخَف، لكن الخبرُ قد يكونُ بمعنى: أكثرَ ثواباً، ويحتملُ: أصلحَ، ولهذا يَحسنُ أن يقالَ: الفرضُ خيرٌ لكَ من النفلِ، وإن كان النفلُ أسهلَ، والفرضُ أشق، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها: "ثوابُكِ على قدرِ نَصَبِكِ" (٣)، وقال الله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إلى قوله: {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: ١٢٠]، فالخيرُ والفضلُ في أمرِ الدينِ يرجعُ إلى الأكثرِ ثواباً، وفي أمرِ الدنيا يرجعُ إلى الأصلحِ والأنفعِ، وليس يختص الأسهلَ، ولهذا يَحسُنُ بالطبيبِ أن يقولَ للمريضِ: الجوعُ والعطشُ أصلحُ لك، وخير لكَ من الشِّبَعِ والرَّي.

وأمّا قوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: ٦٦]، فنحنُ قائلونَ بها، وأنه ينسخُ إلى الأسهلِ والأخفِّ، وليسَ فيها منع من النسخِ إلى الأصعبِ والأشقِّ.


(١) في الأصل: "ليس".
(٢) في الأصل:"ما ثقل".
(٣) تقدم تخريجه ١/ ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>