وفي آخرِ الآيةِ ما يشهدُ بأنَّهُ أرادَ به القرآن؛ لأنَّه قال:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة: ١٠٦]، ووصفه لنفسه بالقدرةِ يدلُّ على أن الذي يأتي به هو أمر يرجعُ إليه دونَ غيرِهِ، وكذلكَ قولُهُ:{أَوْ مِثْلِهَا} يشهدُ لما ذكرنا، لأن المماثلةَ يقتضي إطلاقُها من كلٍّ، سيَّما وقد أنَّثها تأنيث الآية، فكأنَّه قالَ: نأتِ بآية خير منها أو آيةٍ مثلها، وأمَّا حملُهم على ثوابِها فإن الثوابَ أيضاً لاَّ يَوازي ثوابَ الآيةِ؛ لأنَّ ثوابَ الآيةِ يحصلُ بتلاوتِها، وليسَ في حِفْظِ السُّنَنِ ولا تلاوتِها ما في حفظِ القرآنِ وتلاوتِه، وتظهرُ الحرمةُ من اعتبارِ الغسلِ من الجنابةِ والحيضِ والمسِّ لما فيهِ مسطورُ الآيات يعتبرُ لذلكَ الطهارةُ من سائرِ الأحداثِ، ولا يعتبرُ للسنن طهارةٌ تلاوةً لها، ولا مسّاً لمكتوبها، ولا إعجازَ في السُّنةِ، وفي القرآنِ إعجازٌ نافعٌ من حيثُ إنّه دلالةٌ على صدقِ مَنْ نَزلَ عليه، والدلالةُ توجب هدايةَ المكلفِ إلى ما يوجب له ثوابَ اللهِ سبحانه، ولا مساواةَ بينَ السنةِ والقرآنِ في ثوابٍ ولا غيرِهِ.
وأما قولُهم: نأتِ بخيرٍ منه، لا ناسخاً بل مبتدأ، لا يصحُّ؛ لأنَّه خرجَ مخرجَ الجزاءِ مجزوماً، وهذا يعطي البدليّةَ والمقابلة، مثلُ قولهم: إن تكرمْني أكرمكَ، وإن أطعتني أُطعكَ، يقتضي أنْ يكون الجزاءُ مقابلةً وبدلاً لا فعلاً مبتدأ.
وأمَّا قولهم: إن القرآن في نفسهِ لا يتخايرُ ويتفاضلُ فعلمَ أنّه لم يردْ به الخيرَ الذي هو فضيلتُه، فليسَ كذلك، فإنَّ توحيدَ الله في سورة الإخلاصِ وما تَضَمَّنَتْهُ (١) من نفيِ التجزؤ والانقسامِ، أفضلُ