من {تَبَّتْ} المضمَّنةِ ذمَّ أبي لهبٍ وذم زوجتِهِ، إنْ شئتَ في كونِ المدحِ أفضلَ من القدح، وإنْ شئت في الإعجازِ، فإنَّ تلاوةَ غيرِها من الآياتِ التي تظهرُ منها الفصاحةُ والبيانُ أفضلُ، وليسَ من حيثُ كانَ المتكلمُ واحداً لا يكونُ التفاضلُ لمعنىً يعودُ إلى الكلامِ ثابتاً، كما أنَّ المُرْسِلَ واحدٌ لذي النونِ وإبراهيم، وإبراهيمُ أفضلُ من ذي النونِ.
وأمّا قولُهم: إن النَّسخَ عائدٌ إلى الحكمِ دونَ التلاوةِ، فلا فرقَ عندَهم؛ لأن تواترَ السُّنةِ لو جاءَ بنسخِ رسم آيةٍ وإخراجها من المصحفِ ومنْ أحكامِ القرآنِ والخصيصةِ التي له، من منعِ الجنب والحائضِ من تلاوتِهِ وكلِّ محدِثٍ من مسِّهِ، لنسخوا بها التلاوَةَ.
ومن ذلك: قولُه تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي}[يونس: ١٥] جوابُ قولِهم: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}[يونس: ١٥] وهذه الآيةُ لا تتحققُ حجةً لمن نصرَ هذا المذهبَ؛ لأنَّ السنّةَ ليستْ من تلقاءِ نفسه، بل هيَ مما يُوحى إليه - صلى الله عليه وسلم -، ومَنْ استدلَّ بهذهِ الآيةِ في هذا المذهبِ كمنِ احتجَّ بقولِه:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم: ٣]، في معنى جوازِ الاجتهادِ عليه.
فيقالُ هناكَ: إنَّ الاجتهادَ ليس بهوىً، إنما هو استدلالٌ صَدَرَ عن نَظَرٍ وبَحْثٍ وفكرٍ، وكذلكَ السنةُ هاهنا الناسخةُ للقرآنِ ما صدرت [إلا] عن وحي، لا من تلقاءِ نفس النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن ذلك: ما رَوى الدارقطنيُّ بإسناده في "سننِهِ"، عن جابرِ بن عبد اللهِ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "كلامي لا ينسخُ كلامَ الله، وكلامُ