للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدماتهُ؛ لأنَّهُ قالَ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: ١٠٢]، فهذا لا يقالُ إلاَّ على بلاءٍ صعب مُؤْلمِ، ثمَّ إِنَّ الله سبحانه يشهدُ لحالِهِ بأنّه بلاءٌ مبينٌ، بقولِهِ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: ١٠٦].

ثُمَّ إِنه قالَ: {وفَدَيْناهُ}، ولو كانَ المأمورُ بهِ هوَ المقدماتِ، وقد حصلت، لما كان الذِّبْحُ فداءً؛ لأن الفداءَ ما قامَ مقامَ الشيءِ، فلمَّا سمى ذبحَ الذِّبْح فداءً، عُلِمَ أنَّه كانَ المأمورُ بهِ عينَ الذبح، ثُمَّ أبدلَه الله سبحانه بإيقاَعِهِ في ذلكَ الحيوان، وسمَّاه فداءً؛ كما يَسمَّى المالُ المأخوذُ عن الأسرى فداءً، قال سبحانَهُ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤].

فإنْ قيلَ: وكيفَ لا (١ يكون أمرأَ بأمارات ومقدمات الذبح من أخذ ١) المدية والحبل (١ وتَلِّهِ للجبين، وأنه أُبهمَ ١) عليه عاقبة ذلكَ، فيعطي شاهد هذه الحال: أنَّ المتعقبَ لذلكَ لا يكونُ في ظاهرِ الحالِ إلا إيقاعاً للذَّبح في ولده، ويَحْسُنُ أَنْ يُسَمَّى مثلُ هذا بلاءً، ويظنهُ إبراهيمُ ذبْخاً، لأمرِهِ بمقدماتِ الذبحِ.

قيل: فعندكم لا يجوزُ تعريضُ المكلَّفِ للجهلِ، والأمرُ بالأماراتِ والمقدماتِ، قدْ (٢) أَوْهَمَتْه أنَّها أمْرٌ بالذبح، وهذا خلافُ ما أَصَّلْتُموه من المنعِ منْ تعريضِ المكلفِ للجهل.

على أنَّ أهلَ النقلِ قد أجمعُوا على أنَّ إبراهيمَ كانَ مأموراً بذبح ولدِهِ، فلا وجهَ لخلافِهم (٣)، ولأنَّ فيما ذكرنا من ذِكْرِ الفداءِ دلالةً علىَ


(١ - ١) طمس في الأصل.
(٢) في الأصل: "فقد".
(٣) في الأصل: "لخلافيهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>