على أنَّ الأصلَ لِم يبقَ على القطعِ مع ورودِ خبرِ الواحدِ، وإن كانَ باقياً على ما كان بعدَ ورودِ الخبرِ، لفسَّقْنا المخالفَ أو كَفَّرْناه، كما نُفسِّقُه ونكفِّرُه بالقولِ بإيجابِ حقٍّ لمجرد الشك والحدس.
ومنها: أن قالوا: إيجابُ العملِ بخبرِ الواحدِ يفضي إلى تركِ العملِ بخبرِ الواحدِ، ويفضي إلى التوقفِ عن العملِ بظواهرِ القرآنِ وعموماتِه، لأنَّه ما من عمل يُرْوَى له، فيُعمَلُ به، إلا وهو يجوز أن يكونَ هناك خبرٌ يقضي عليه؛ بأن يكون أَوْلى منه، أو يَتعلَّقُ بظاهر آيةٍ، إلا ويجوزُ أن يكونَ هناك خبرٌ يصرفه عن ذلك الظاهرِ، ولا يتعلقُ بعمومٍ، إلا ويجوزُ أن يكونَ هناك خبرٌ يختص به ذلك العموم، فيقفُ العملُ بالآي والأخبارِ، وذلك باطلٌ، فكل ما يفضي إلى ذلك، يجب أن يكونَ بَاطلاً.
فيقال: إن الحكمَ ببعضِ الأدلةِ، والعملَ به، لا يقفُ على ما عساه يكونُ قاضياً عليه، أو ما هو أَوْلى منه، وإن جَوَّزْنا ظهورَ ذلك؛ بدليلِ أنَّ لنا ناسخاً.، وأدلةً تستنبط، توجبُ تخصيصَ الظواهرِ، ومعلومٌ أنَّ الآيَ والأخبارَ المسموعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْمَلُ بها مَن كان بعيداً عن المدينةِ، مع تجويزِ النسخِ لذلك المعمولِ به، ولا يمنعُ ذلك وجوبَ العملِ به، وتركَ التوقفِ الذي أشرتَ إليه.
على أنَّه لو كانَ تجويزُ ما هو أَوْلى منه من الأدلةِ يمنعُ العملَ بما يقعُ منها إلى المجتهدِ، لوجب أن لا يجوز للحاكم أن يحكمَ بشهادةٍ، ولا للعامي أن يعمل بفتوى مجتهد؛ لجوازِ أن يكون هناك ما هو أَوْلى منه، أو ما يقضي عليه من بيِّنَةٍ طاعنة في الشاهدِ، أو قاضيةٍ على ما شهدَ به، وكانَ يجبُ أن يكونَ هذا مانعاً من العملِ