للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جهتِه قبولُه، فوجبَ المصيرُ إليه.

ومنها: قولهم: لو جازَ قبولُ خبرِ الواحد في فروعِ الدينِ، لجاز قبولُه في أصولِ الدين؛ كالنبواتِ، وإثباتِ الصفاتِ.

فيقال: إنَّ أصولَ الدين لها أدلة قطعية تغني عن قبولِ الأدلةِ الظنيّهِ، ولذلكَ لا يجوزُ التقليدُ فيها بالرجوع إلى قولِ المفتي، وصار الأصل لسائرِ العقلاءِ كالقِبلةِ لمن شاهدها، وهذه الفروعُ كالقبلةِ (١) لمن غاب عنها، يرجعُ إلى الاستدلالِ إن كانَ من أهلِ العلم بدلائلها، أو إلى تقليدِ الرجالِ العارفين بها.

ومنها: أن قالوا: الأصلُ براءةُ الذِّمَمِ من الحقوقِ، والعباداتِ، وتحمُّلِ المشاقِّ، وذلكَ ثابتٌ بدليلِ العقلِ القطعي، فلا يجوزُ إزالةُ اليقينِ والقطعِ بخبرِ الواحد المتردد بينَ الصدق والكذب، فيكونُ ذلك إزالةَ اليقينِ بالشك.

فيقال له: ما أزلنا اليقينَ إلا بيقينٍ (٢) مثلِه، وهو دليلُ العملِ بخبرِ الواحد؛ لأنَّه الإجماعُ وأدلةُ العقلِ التي ذكرناها، وإن كانَ ما يتضمنه غيرَ مُتيقَّنٍ، ولأنَّ هذا باطل بالشهادةِ والفتيا؛ فإنهما ظنٌّ، ومع ذلكَ شغلت بهما الذِّمَمُ، وأُرِيقَت (٣) بهما الدماءُ، ولأنَّ خبرَ الواحدِ ليس بشك، لأن الشك ما ترددَ بينَ أمرينِ: الصدقِ والكذبِ سواءً، وليسَ كذلكَ خبرُ العدلِ، فإنَّه يترجَّحُ إلى الصدقِ، كما يترجحُ قولُ الشاهدِ والمفتي.


(١) في الأصل: "القبلة".
(٢) في الأصل: "يقين".
(٣) في الأصل: "وأريق".

<<  <  ج: ص:  >  >>