للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، كثرَ جوابُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا كثرَ جوابُه عنه، كثرَ نقلُ الناقلين لجوابه عنه صلى الله عليه وسلم، هذا دَأْبُ الناس وعاداتُهم، فإذا نقلَ ذلك الواحدُ والاثنان، قويت التهمةُ لهم، ولم يجز التعويلُ على خبرِهم، وبهذه الطريقةِ رددنا روايةَ الرَّافَضَةِ خبرَ (١) النصَ على عليٍّ رضي الله عنه يوم غَدِيرِ خُمٍّ، وقلنا: لو كانَ هذا صحيحاً، لنقلَه الخاص والعامُّ، واستفاضَ بينَ أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولَمَّا روى ذلك آحادٌ من شيعتِه، عُلِمَ أنه مُفتعَلٌ مُخَتلَقٌ.

وكذلكَ لم نقبل روايةَ الآحادِ عن فتنةٍ جرت بالجامعِ يومَ الجمعةِ أو العيدِ، ولا سُقوطِ الخطيبِ عن منبرهِ لحادثٍ حدثَ به، كلُّ ذلكَ لِمَا اطَّرَدَتْ به العادةُ من كونِ النقلِ بحسب المنقولِ في الظهور، وهذا يرجع إلى سرٍّ في الطباعِ، ودفينٍ في أَصل الخلقِ والأوضاعِ؛ وهو أنَّ الدواعيَ متوفرةٌ على حُبِّ البلاغ لما حدثَ، والإخبارِ بما تَجدَّدَ، وقلَّ ما يتمكنُ أحدٌ من كتم شيءٍ سمعَه، وطَيِّ أمرٍ علمه، حتى كأنه يلقي عن نفسِه ثقلاً، ويسقط عبئاً، بل عساه يتزيد في الحديثِ، ويصلُ به ما ليس منه، لإيثاره الحديث، حتى قال الشاعر:

ولقد سئمت مآربي ... فكأنَّ أكثرها خبيث

إلا الحديث فإنه ... مثل اسمه أبداً حديث

وإذا ثبتَ هذا، لم يجز أن نسمع أخبار الآحاد فيما بنيَ على الشياعِ، والتكرارِ، والانتشارِ بين المخبرين، مع اتفاقِ الكل في توفير الدواعي، ومحبة البلاع، لا سيما في النقلِ عن صاحبِ الشرعِ، وفيه الثواب والأجر في الآخرة، وكثيرُ الفخرِ في الدنيا.


(١) في الأصل: "حين".

<<  <  ج: ص:  >  >>