للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: إنَّ النقلَ لأخبارِ الدياناتِ كانت الصحابة تختلف فيه مذاهبُهم، فمنهم من كانَ يتورعُ عن النقلِ طلباً لحفظِ الصيغةِ، ولا يرى الروايةَ بالمعنى، وبعضهم من كان لا يتشاغلُ بذلك رأساً، فيُقصَدُ ويُطلَبُ منه الحديثُ، فلا يُحدِّثُ، ولذلك لما حجَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الجمِّ الغفيرِ، والعددِ الكثيرِ، فكانت مناسكُ الحج مشهورةً بين الجميعِ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "خذوا عني" (١)، وما نقلَ المناسكَ عنه إلا آحادٌ.

وفارقَ الخبرَ بالنصِّ على الإمامِ، فإنَّ ذلكَ أمرٌ واجبٌ على كل أحدٍ عِلْمُه، والقطعُ به، والأحكام لا يجبُ العلمُ بها والقطع، وإنما طريقها غلبةُ الظن، ولذلكَ تثبتُ بالقياس، وإلحاقِ النَّظيرِ بالنظيرِ (٢)، والأخذِ بالشَّبَهِ، فيجوزُ أن ينفردَ البعضُ بعلمِه، ويكون فرضُ الباقين الاجتهادَ.

وفارقَ نقلَ الحادثةِ بالجامعِ والخطيبِ، لأنَّ ذلك تحثُّ على نَقْلِه دواعي (٣) الطباع، وذلك مما يعم الناس، وبذلك (٤) يشهدُ خلقُ رواةِ الحديث، وفيها الآحاد والأفراد، وخلقُ أرباب الشعوذةِ وغرائبِ الأعمال والأسمار يملأُ الرِّحابَ والعِراصَ، وكذلكَ خلقُ القُصَّاصِ، فهذا أمر معلوم بالغرائز والجِبِلاَّتِ.

ومنها: أنَّ قبول خبرِ الواحدِ في مثلِ هذا الحكمِ يفضي إلى التوقفِ في أحكام الكتاب، لجوازِ أن تكون نُسِخَت، ولم ينقل نسخها.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) في الأصل: "النظر بالنظر".
(٣) في الأصل: "ودواعي".
(٤) في الأصل: "ولذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>