للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإسراء: ٣٦]، فنهانا عن اتباعِ غيرِ العلمِ، وقد أجمعنا على جوازِ اتباع خبر الواحدِ في أحكام الشرعِ، ومحالٌ أن نُجمعَ على ما نكون في اتباعه مخالفين للنص في اتباعِ ما ليس لنا به علم، فلم يبقَ إلا [أَنَّ] الإجماعَ بالعملِ بخبرِ الواحدِ، دلالةٌ على أنَّه موجبٌ للعلم.

وذمَّ سبحانَه على اتباع الظن، فقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [الأنعام: ١١٦]، {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦]، فذمَّ أربابَ الظنونِ في الأحكام والأعمالِ الشرعية، فدل على أنَّ أخبارَ الآحادِ توجبُ علوماً لا ظنونا، لأنَّ من المحالِ أن يذمَّ على اتباع شيءٍ، [ولا] يذمَّ على اتباعِه، لم يبقَ إلا أنَّه أمرَ باتباع أخبارِ الآحادِ؛ لكونها موجبةً للعلم، وذمَّ على اتباع الظنِّ، ولم يَحكم بكونها موجبةً للظن.

ومنها: ما يخصُّ أصحابَ الحديثِ: أن قالوا: إنَّ عليّا كرَّم الله وجهه قال: ما حدثني أحدىٌ إلا استحلفتُه، إلا أبا بكر الصديق، وصدقَ أبو بكر (١). فقطع بصدقه، وهو واحدٌ.

قالوا: ولأنَّ هذه الأحاديثَ، مع تلقي أصحابِ الحديثِ لها بالقبولِ، مع انتقادِهم الرجالَ، وتَحرُّجِهم في صفاتِ الرواةِ، والجرحِ لمن وجدوا فيه مطعناً، وكثرةِ الرواةِ، ولا يجوزُ أن تكونَ كذباً، فوجبَ كوتُها (٢) حقاً تُوجِبُ علماً، لا ظناً.

ومنها: أنَّه لو كانَ خبرُ الواحدِ لا يوجبُ العلمَ، لم يوجب، وإن كَثُرَ العددُ إلى حَيِّزِ التواترِ؛ لأنَّه يجوزُ على الثاني ما يجوزُ على


(١) تقدم تخريجه ص (٣٧٨).
(٢) فى الأصل: "كونه".

<<  <  ج: ص:  >  >>