للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَوَّلِ، وفي جميعِ العدد كذلك، ألا ترى أنَّ الفساقَ والصبيانَ لَمَّا لم يحصل العلمُ بالواحدِ [منهم]، لم يحصل بالكثرةِ منهم، ألاترى أنَّه لو لم يكن خبرُ الواحدِ موجباً للعلمِ، لمَّا أباح قتلَ النفس بإقرارِ الواحد على نفسه، وشهادة اثنين عليه بالقتل، وبأخبارِ الآَحادِ إيجابَ (١) الحدود، فلما قُبلَ الآحادُ في الأقارير والدماءِ والفروجِ، عُلمَ أنَّها موجبةٌ للعلم، حيث قضت على أدلَّةِ العقولِ الموجبةِ لبراءةِ الذِّمم.

ومنها: ما تعلَّقَ به النظَّامُ: في أنَّ خبرَه مع الأمارةِ يوجب العلمَ، ولا يوجبُه بمُجرَّدِه، فقال: إنَّ الإنسانَ إذا أخبرَ عن نفسِه؛ بأنَّه قتلَ من يكافئه ظلماً عمداً محضاً بآلةٍ يقتلُ مثلها غالباً، كان خبرُه مع هذه الأمارةِ المعلومةِ موجباً للعلمِ، والأمارةُ: أنَّ كل حيٍّ يحبُّ الحياةَ، ويكرهُ القتلَ، بل الموتَ في الجملةِ، فإذا قال: قتلتُ، كان آكدَ من قولِه على غيره: قتلَ فلانٌ فلاناً؛ لأنَّ محبةَ النفس، وحبَّ الحياةِ، وكراهةَ الآلامِ، تمنع أن يكونَ قولُه على نفسه كذَباً، فأوجب ذلك العلمَ بصدقِهِ فيما أخبرَ به عن نفسِه.

قال: ولأنَّ الأمارةَ باللَّوْثِ (٢) تُؤثِّرُ في النفس أثراً بحِدَتِها (٣)، فإذا انضمَّ إليها الخبرُ، لم يبقَ في النفسِ شك فيمَا دلَّت عليه الأمارة،


(١) في الأصل: "بإيجاب".
(٢) اللَّوْث: هو الحكمُ بالقرينة التي توجب غلبةَ الظن، الكافية لتوجيه تهمة إلى شخص ما؛ بأنه قاتل، كأن يكون بين المدعى عليه والقتيلِ عداوةٌ سابقة، أو أن تتفرق جماعة عن قتيل.
انظر أحكام اللوث وموجباته في "المغني" ١٠/ ٣ - ٧، و"المبدع" ٩/ ١٣٣، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" ٤/ ٢٤١.
(٣) في الأصل: "يحدثها".

<<  <  ج: ص:  >  >>