للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبمجموع الشهودِ يحصُلُ ثُبوتُ الأحكامِ والحدودِ.

وأمَّا قولُهم: إنَّ الإجماع يتعذّرُ العلمُ بحصولِه لتفرُّقِ العلماءِ في البلادِ المتباعدةِ، فليسَ بصحيحٍ لوجوهٍ: أحدُها: أنّه لوْ كانَ هذا هو العِلَّة، لوَجَبَ إذا انحصَرُوا فكانوا في بَلَدٍ واحِدٍ، كأصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قبل انتشارِهم، أنْ يكونَ حجةً، فلمَّا لم يكنْ حجَّةً وإن انضبطوا، بَطَلَ التَّعلُّقُ في نفْي، الإحماع بتعذُّره (١)، لأنّه لو كانَ التَّعذُّرُ علةَ النْفي، لكانَ عدمُ التَّعذُّرِ يوجِبُ الإثباتَ. ولأَنَّ أهلَ الاجتهادِ أعلامٌ في البلادِ، وأخبارُهم سائرةٌ مشهورةٌ، ولا تكادُ تَخفى، لأَنَّ العلمَ معظَّم في النُّفوس، وبلاغ العالِمِ إلى الاجتهادِ لا يحصلُ إلاَّ في الزَّمان الطويلِ، فلا يكادُ ينطوِي ذلكَ ولا يخفى. ولأنَّنا نتكلَّمُ على حصولِهِ ونعلِّقُ الحكمَ على ثبوتِهِ، فإذا تعذَّرَ العلمُ بهِ لنوع عذرٍ، لم يخرجْ عنْ كونِهِ حجةً، كقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه الحجّةُ المعصومةُ، فإذا منعَ مِنَ العلمِ بِهِ مانعٌ لم يخرجْ عنْ كونِهِ حجَّةً معصومة.

وأمَّا اعتبارُهم الإجماع على الحكمِ في الحادثةِ بالتوحيدِ، فغير صحيحٍ؛ لأنَّ التوحيدَ لا يثبت عنْ أصلٍ قبلَهُ، وهذا يثبت عن أصل قبله، فهوَ كالنُّبوّةِ التي تثبتُ عنْ أصلٍ قبلَها، (٢ وهو المعجزُ الدالُّ ٢) على صحتها، فكانَ قولُ أهلِ الإجماع كقولِ النبي- صلى الله عليه وسلم - ولأنَّ التوحيدَ لا يتبعُ فيه


(١) في الأصل: "بعذره".
(٢ - ٢) غير واضح في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>