للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"امَّى لا تجتمِعُ على ضَلالةٍ" (١)، وهذا يعطي أنَّه قد يكونُ فيهم ضلال، فأمَّا أَنْ يُعْطيَ أنْ ليسَ فيهم هُداةٌ ولا أعلامٌ فلا.

وأما قولُهِم: إنَّ هده أمَّةٌ مِن الأمَمِ فأشبَهتْ مَنْ تَقَدَّمَهُم، فيحتملُ أنْ لا نسلِّمَ، بل نقُول: إِنَّ سائرَ الامم إجماعُ عُلمائِها معصوم، وقد ذهبَ إليهِ جماعةٌ مِنَ العلماءِ مِنْهُم: أبو إِسْحاقِ الإِسْفَرايِيني مِنْ أَصْحابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ الله عنهما، ويحتملُ أنْ نُفَرِّقَ بينهما، بأنّ سائرَ الامم يَتَطَرَّقُ عليها النسخُ بَعْدَ نبيِّها، ويَتَجَدَّدُ نَبِيٌّ بعدَه، فلا تخلُو الأمة مِنْ معصومٍ يُزيلُ ما اختلَّ مِنَ الشّريعةِ الأولي، ويُجدِّدُ علىِ يَديهِ ما تصلُحُ به الأمَّةُ الأخرَى، وامَّتُنا هذه لا نبيَّ بعدَ نبيِّها، ولا نسخ، فلمْ يَكُ بُدٌّ مِنْ خَلَفٍ معصومٍ يحفَظُ قولَ نبيِّها، وتَجري مجرى نبيِّها فِى العِصمةِ عن الضّلالِ والخطأِ.

وأما قولُهم: لمَّا جازَ الخطأ على آحادِهم جازَ على جماعتِهم، فليسَ بلازمٍ؛ لأَنَّ هذا جمعٌ بينَ ما فرَّقه الشَّرْعُ، لأَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِاتباع الجماعةِ، ونَهى عنْ مُفارقتِها وعَن الشُّذوذِ، وذمَّ الانفرادَ، فلا يُجمعُ بينَ ما فرَّقَه الشَّرعُ.

وأمَّا مِنْ طريقِ المعنى: فإِنَّ الانفرادَ يُضْعِفُ، والإجماعَ يقوِّي ويحصُلُ به التَّضافُرُ، ويتَجدَّدُ بالإحماع ما ليسَ للانفرادِ، بدليلِ أخبارِ التَّواتُرِ بالإضافةِ إلى أخْبارِ الآحادِ، وأنَّ أحَدَهُما يوجب القطعَ، والآخَرَ يوجِبُ الظنَّ، والواحدُ مِنَ الشُّهودِ لا توجِبُ شهادتُه الحقوقَ والحدودَ،


(١) تقدم تخريجه ٢/ ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>