للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولُهم الأوّلُ مانعاً مِنْ قولِهم الثّاني معَ تخمُّرِ الرأيِ، وتحقيقُه على ما قدّمْنا وبيَّنا.

وأمّا قولُهم: إنّ الإجماع حجّة، والاختلافَ ليسَ بحجّةٍ، فلا نسلِّم أنّ الإجماع بعدَ الخلافِ حجّةٌ، وإنّما يكونُ حجّةً إذا لم يتقدّمْه خلافٌ، وليسَ يمتنعُ أنْ يكونَ حجّةً بشروطٍ: بأنْ لا يعارضَه ما هو أقوى منهُ كالقياسِ معَ نصِّ القرآن أوِ السُّنةِ، ولأنّكم إنْ راعيْتُم فيهِ إحماعَ التّابعينَ، كانتْ مراعاتُنا لإجماع الصّحابةِ على التسويغ أَوْلى؛ لأنه إجماعٌ مِن الصّحابةِ، ثُمَّ إنّه سابقٌ فلا يعتدُّ بإجماع يزِيلُه، ولو كانا سواءً لكفى، لأنّه مُوقِفٌ دليلَهم؛ إذْ ليسَ مراعاةُ إجماعٍ بأَوْلى مِن مراعاةِ إجماعٍ آخرَ.

وأمّا دعواهم: أنّه لا يجوزُ لعامَّةِ التَّابعينَ العملُ بأحدِ قوليِ (١) الصحابة، فلا نسلِّمُ، بلْ يجوزُ العملُ به في عصرِ التّابعينَ.

وأمّا قياسُهم على الخبرينِ إذا تعارضَا، واتَّفقَ أهلُ العصرِ على هِجْرانِ أحدِهما والعملِ بالآخرِ، فإنّما أسقطْنا المتروكَ؛ لأنّه لم يذهبْ إليهِ أحدٌ فكانَ ظاهرُ ذلكَ أنّه منسوخٌ، وليسَ كذلكَ القولانِ ها هنا؛ لأنّه قدْ عملَ بِه فريقٌ مِن الصّحابةِ، فلا يجوزُ إسقاطُ عملِهم، فوِزَانُه أنْ لا يكون بهذا المذهبِ عاملٌ، ولا به قائلٌ، ووزانُ مسألتِنا مِن الخبرينِ أنْ يكونَ قد رَوى أحدَهما بعضُ الصحابةِ وردَّه بعضُهم، فلا يؤثرُ إجماعُ التّابعينَ على هِجرانِه وتركِه.


(١) في الأصل: "قول".

<<  <  ج: ص:  >  >>